فسمى دينا إبراهيم حنيفا لاستقامته، وسمى معوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة، كما قيل للديغ سليم، وللمهلكة مفازة. وقد استدل من قال بأن الحنيف في اللغة المائل لا المستقيم بقول الشاعر:
إذا حول الظل العشي رأيته * حنيفا وفي قرن الضحى يتنصر أي أن الحرباء تستقبل القبلة بالعشي، وتستقبل المشرق بالغداة، وهي قبلة النصارى، ومنه قول الشاعر:
والله لولا حنف في رجله * ما كان في رجالكم من مثله وقوله (وما كان من المشركين) فيه تعريض باليهود لقولهم - عزير ابن الله - وبالنصارى لقولهم - المسيح ابن الله - أي أن إبراهيم ما كان على هذه الحالة التي أنتم عليها من الشرك بالله فكيف تدعون عليه أنه كان على اليهودية أو النصرانية. وقوله (قولوا آمنا بالله) خطاب للمسلمين وأمر لهم بأن يقولوا هذه المقالة، وقيل إنه خطاب للكفار بأن يقولوا ذلك حتى يكونوا على الحق، والأول أظهر. والأسباط: أولاد يعقوب وهم اثنا عشر ولدا، ولكل واحد منهم من الأولاد جماعة، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب، وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون، وقيل أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر: أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر، وقيل الأسباط حفدة يعقوب: أي أولاد أولاده لا أولاده، لأن الكثرة إنما كانت فيهم دون أولاد يعقوب في نفسه، فهم أفراد لا أسباط. وقوله (لا نفرق بين أحد منهم) قال الفراء: معناه لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى. قال في الكشاف: وأحد في معنى الجماعة، ولذلك صح دخول بين عليه. وقوله (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) هذا الخطاب للمسلمين أيضا: أي فإن آمن أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به من جميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم فقد اهتدوا، وعلى هذا فمثل زائدة كقوله - ليس كمثله شئ - وقول الشاعر: * فصيروا هذه مثل كعصف مأكول * وقيل إن المماثلة وقعت بين الإيمانين: أي فإن آمنوا بمثل إيمانكم. وقال في الكشاف: إنه من باب التبكيت لأن دين الحق واحد لا مثل له وهو دين الإسلام، قال: أي فإن حصلوا دينا آخر مثل دينكم مساويا له في الصحة والسداد فقد اهتدوا، وقيل إن الباء زائدة مؤكدة، وقيل إنها للاستعانة. والشقاق أصله من الشق وهو الجانب، كأن كل واحد من الفريقين في جانب غير الجانب الذي فيه الآخر، وقيل إنه مأخوذ من فعل ما يشق ويصعب، فكل واحد من الفريقين يحرص على فعل ما يشق على صاحبه، ويصح حمل الآية على كل واحد من المعنيين، وكذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا في شقاق وقول الآخر: إلى كم تقبل العلماء قسرا * وتفخر بالشقاق وبالنفاق وقوله (فسيكفيهم الله) وعد من الله تعالى لنبيه أنه سيكفيه من عانده وخالفه من المتولين، وقد أنجز له وعده بما أنزله من بأسه بقريظة والنضير وبني قينقاع. وقوله (صبغة الله) قال الأخفش وغيره: أي دين الله، قال:
وهي منتصبة على البدل من ملة. وقال الكسائي: هي منصوبة على تقدير اتبعوا، أو على الإغراء: أي الزموا، ورجح الزجاج الانتصاب على البدل من ملة، كما قاله الفراء. وقال في الكشاف: إنها مصدر مؤكد منتصب عن قوله (آمنا بالله) كما انتصب - وعد الله - عما تقدمه، وهي فعلة من صبغ كالجلسة من جلس، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ، والمعنى تطهير الله لأن الإيمان تطهير النفوس انتهى، وبه قال سيبويه: أي كونه مصدرا