كسا اللوم تيما خضرة في جلودها * فويل لتيم من سرابيلها الخضر وقيل المعنى: أعدنا الجلد الأول جديدا، ويأبى ذلك معنى التبديل. قوله (ليذوقوا العذاب) أي ليحصل لهم الذوق الكامل بذلك التبديل، وقيل معناه: ليدوم لهم العذاب ولا ينقطع، ثم أتبع وصف حال الكفار بوصف حال المؤمنين. وقد تقدم تفسير الجنات التي تجري من تحتها الأنهار. قوله (لهم فيها أزواج مطهرة) أي من الأدناس التي تكون في نساء الدنيا. والظل الظليل الكثيف الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك، وقيل هو مجموع ظل الأشجار والقصور، وقيل الظل الظليل: هو الدائم الذي لا يزول، واشتقاق الصفة من لفظ الموصوف للمبالغة كما يقال: ليل أليل.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله (كلما نضجت جلودهم) قال: إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضاء أمثال القراطيس. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عنه بسند ضعيف قال: قرئ عند عمر (كلما نضجت جلودهم) الآية، فقال معاذ: عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة، فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرجه أبو نعيم في الحلية وابن مردويه أن القائل كعب وأنه قال تبدل في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله (ظلا ظليلا) قال: هو ظل العرش الذي لا يزول.
هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع، لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات، وقد روى عن علي وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب أنها خطاب لولاة المسلمين، والأول أظهر، وورودها على سبب كما سيأتي لا ينافي ما فيها من العموم، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول، وتدخل الولاة في هذا الخطاب دخولا أوليا، فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات ورد الظلامات وتحري العدل في أحكامهم، ويدخل غيرهم من الناس في الخطاب، فيجب عليهم رد ما لديهم من الأمانات والتحري في الشهادات والأخبار. وممن قال بعموم هذا الخطاب: البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبي ابن كعب، واختاره جمهور المفسرين، ومنهم ابن جرير، وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر. والأمانات جمع أمانة، وهي مصدر بمعنى المفعول. قوله (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) أي وإن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، والعدل: هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا الحكم بالرأي المجرد، فإن ذلك ليس من الحق في شئ إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله، فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله سبحانه، وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص، وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله ولا بما هو أقرب إليهما فهو لا يدري ما هو العدل، لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته فضلا عن أن يحكم بها بين عباد الله. قوله (نعما) ما موصوفة أو موصولة، وقد قدمنا البحث في مثل ذلك.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فتح مكة وقبض مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة، فنزل جبريل عليه السلام برد المفتاح، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن طلحة