وإنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله. وأخرج ابن جرير عن الحسن: قال " مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوم ينتضلون ومع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم، فقال أصبت والله وأخطأت والله، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم: حنث الرجل يا رسول الله، فقال:
كلا، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة. وقد روى أبو الشيخ عن عائشة وابن عباس وابن عمر وابن عمرو أن اللغو لا والله وبلى والله. أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال لغو اليمين حلف الإنسان على الشئ يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: أنها أن يحلف الرجل على تحريم ما أحل الله له. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: هو الرجل يحلف على المعصية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن النخعي: هو أن يحلف الرجل على الشئ ثم ينسى. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله (والله غفور) يعني إذ تجاوز عن اليمين التي حلف عليها (حليم) إذ لم يجعل فيها الكفارة.
قوله (يؤلون) أي يحلفون: والمصدر إيلا وألية وألوة، وقرأ ابن عباس " الذين آلوا " يقال آلى يؤالي إيلا ويأتلي بالتاء ائتلاء: أي حلف، ومنه - ولا يأتل أولوا الفضل منكم -، ومنه:
* قليل الألايا حافظ ليمينه * البيت. وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء، فقال الجمهور: إن الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن موليا وكانت عندهم يمينا محضا، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور. وقال الثوري والكوفيون: الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا، وهو قول عطاء. وروى عن ابن عباس أنه لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يمسها أبدا. وقالت طائفة: إذا حلف أن لا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء. وبه قال ابن مسعود والنخعي وابن أبي ليلى والحكم وحماد بن أبي سليمان وقتادة وإسحاق. قال ابن المنذر: وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم. قوله (من نسائهم) يشمل الحرائر والإماء إذا كن زوجات، وكذلك يدخل تحت قوله (للذين يؤلون) العبد إذا حلف من زوجته، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور قالوا وإيلاؤه كالحر. وقال مالك والزهري وعطاء وأبو حنيفة وإسحاق: إن أجله شهران. وقال الشعبي: إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة:
والتربص: التأني والتأخر، قال الشاعر: تربض بها ريب المنون لعلها * تطلق يوما أو بموت حليلها وقت الله سبحانه بهذه المدة دفعا للضرار عن الزوجة. وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ضرار النساء. وقد قيل إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها. قوله (فان فاءوا) أي رجعوا ومنه - حتى تفئ إلى أمر الله - أي ترجع، ومنه قيل للظل بعد الزوال فئ لأنه رجع عن جانب المشرق إلى جانب المغرب، يقال فاء يفئ فئة وفيوءا، وإنه لسريع الفيئة: أي الرجعة، ومنه قول الشاعر: