مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى، وقرئ بفتح أن. قال الكسائي: أنصبهما جميعا يعني قوله (شهد الله أنه) وقوله (إن الدين عند الله الإسلام) بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله الإسلام. قال ابن كيسان: إن الثانية بدل من الأولى. وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان وإن كانا في الأصل متغايرين كما في حديث جبريل الذي بين فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم معنى الإسلام ومعنى الإيمان، وصدقه جبريل، وهو في الصحيحين وغيرهما ولكنه قد يسمى كل واحد منهما باسم الآخر وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة. قوله (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم. قال الأخفش: وفي الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم. والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو خلافهم في كون نبينا صلى الله عليه وآله وسلم نبيا أم لا؟ وقيل اختلافهم في نبوة عيسى، وقيل اختلافهم في ذات بيتهم حتى قالت اليهود: ليست النصارى على شئ، وقالت النصارى: ليست اليهود على شئ. قوله (ومن يكفر بآيات الله) أي بالآيات الدالة على أن الدين عند الله الإسلام (فإن الله سريع الحساب) فيجازيه ويعاقبه على كفره بآياته، والإظهار في قوله فإن الله مع كونه مقام الإضمار للتهويل عليهم والتهديد لهم. قوله (فإن حاجوك) أي جادلوك بالشبه الباطلة والأقوال المحرفة، (فقل أسلمت وجهي لله) أي أخلصت ذاتي لله، وعبر بالوجه عن سائر الذات لكونه أشرف أعضاء الإنسان وأجمعها للحواس، وقيل الوجه هنا بمعنى القصد. وقوله (ومن اتبعن) عطف على فاعل أسلمت وجاز للفصل وأثبت نافع وأبو عمرو ويعقوب الياء في اتبعن على الأصل وحذفها الآخرون اتباعا لرسم المصحف، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع والمراد بالأميين هنا مشركو العرب. وقوله (أأسلمتم) استفهام تقريري يتضمن الأمر: أي أسلموا، كذا قاله ابن جرير وغيره. وقال الزجاج (ءأسلمتم) تهديد، والمعنى: أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا؟ تبكيتا لهم وتصغيرا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق. وقوله (فقد اهتدوا) أي ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر، وفازوا بخير الدنيا والآخرة (وإن تولوا) أي أعرضوا عن قبول الحجة ولم يعملوا بموجبها (فإنما عليك البلاغ) أي فإنما عليك أن تبلغهم ما أنزل إليك، ولست عليهم بمسيطر فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، والبلاغ مصدر. وقوله (والله بصير بالعباد) فيه وعد ووعيد لتضمنه أنه عالم بجميع أحوالهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله (قائما بالقسط) قال: بالعدل. وأخرج أيضا عن ابن عباس مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله (إن الدين عند الله الإسلام) قال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه لا يقبل غيره. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: لم يبعث الله رسولا إلا بالإسلام. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم لكل قبيلة من قبائل العرب صنم أو صنمان فأنزل الله (شهد الله أنه لا إله إلا هو) الآية، فأصبحت الأصنام كلها قد خرت سجدا للكعبة. وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة وأبو منصور الشحامي في الأربعين عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إن الدين عند الله الإسلام. قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) إلى قوله (بغير حساب) هن معلقات بالعرش ما بينهن وبين الله حجاب،