ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. وخلوت بفلان وإليه: إذا انفردت به. وإنما عدى بإلى وهو يتعدى بالباء فيقال: خلوت به لا خلوت إليه، لتضمنه معنى ذهبوا وانصرفوا. والشياطين جمع شيطان على التكسير. وقد اختلف كلام سيبويه في نون الشيطان فجعلها في موضع من كتابه أصلية وفي آخر زائدة، فعلى الأول هو من شطن أي بعد عن الحق، وعلى الثاني من شط: أي بعد أو شاط: أي بطل، وشاط: أي احترق، وأشاط: إذا هلك قال: * وقد يشيط على أرماحنا البطل * أي يهلك. وقال آخر:
وأبيض ذي تاج أشاطت رماحنا * لمعترك بين الفوارس أقتما أي أهلكت. وحكي سيبويه أن العرب تقول: تشيطن فلان: إذا فعل أفعال الشياطين. ولو كان من شاط لقالوا: تشيط، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
أيما شاطن عصاه عكا * ورماه في السجن والأغلال وقوله (إنا معكم) معناه مصاحبوكم في دينكم وموافقوكم عليه. والهزؤ: السخرية واللعب. قال الراجز:
قد هزئت مني أم طيسله * قالت أراه معدما لا مال له قال في الكشاف: وأصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع، وهزأ يهزأ: مات على المكان. عن بعض العرب مشيت فلغبت فظننت لأهزأن يكون على مكاني، وناقته تهزأ به: أي تسرع وتخف انتهى. وقيل أصله الانتقام، قال الشاعر: قد استهزءوا منهم بألفي مدجج * سراتهم وسط الصحاصح جثم فأفاد قولهم (إنا معكم) أنهم ثابتون على الكفر، وأفاد قولهم (إنما نحن مستهزءون) ردهم للإسلام ورفعهم للحق، وكأنه جواب سؤال مقدر ناشئ من قولهم إنا معكم: أي إذا كنتم معنا فما بالكم إذا لقيتم المسلمين وافقتموهم؟ فقالوا: إنما نحن مستهزءون بهم في تلك الموافقة، ولم تكن بواطننا موافقة لهم ولا مائلة إليهم، فرد الله ذلك عليهم بقوله (الله يستهزئ بهم) أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخف بهم انتصافا منهم لعباده المؤمنين، وإنما جعل سبحانه ما وقع منه استهزاء مع كونه عقوبة ومكافأة مشاكلة. وقد كانت العرب إذا وضعت لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكرته بمثل ذلك اللفظ وإن كان مخالفا له في معناه. وورد ذلك في القرآن كثيرا، ومنه - وجزاء سيئة سيئة مثلها - فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم - والجزاء لا يكون سيئة.
والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق، ومنه - ومكروا ومكر الله - و - إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا - يخادعون الله والذين آمنوا - يخادعون الله وهو خادعهم - تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك -. وهو في السنة كثير كقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله لا يمل حتى تملوا " وإنما قال (الله يستهزئ بهم) لأنه يفيد التجدد وقتا بعد وقت، وهو أشد عليهم وأنكأ لقلوبهم وأوجع لهم من الاستهزاء الدائم الثابت المستفاد من الجملة الاسمية، لما هو محسوس من أن العقوبة الحادثة وقتا بعد وقت، والمتجددة حينا بعد حين، أشد على من وقعت عليه من العذاب الدائم المستمر لأنه يألفه ويوطن نفسه عليه. والمد: الزيادة. قال يونس بن حبيب: يقال مد في الشر وأمد في الخير، ومنه - وأمددناكم بأموال وبنين - وأمددناهم بفاكهة ولحم -. وقال الأخفش: مددت له إذا تركته، وأمددته: إذا أعطيته. وقال الفراء واللحياني: مددت فيما كانت زيادته من مثله، يقال: مد النهر، ومنه - والبحر يمده من بعده سبعة أبحر - وأمددت فيما كانت زيادته من غيره، ومنه - يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة - والطغيان مجاوزة الحد والغلو في الكفر ومنه - إنا لما طغى الماء - أي تجاوز المقدار الذي قدرته الخزان. وقوله في فرعون - إنه طغى - أي أسرف في الدعوى حيث قال - أنا ربكم الأعلى -. والعمه والعامة: الحائر المتردد،