وقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها، وبه قال مالك والشافعي وغيرهما. قوله (فالصالحات) أي من النساء (قانتات) أي مطيعات لله قائمات بما يجب عليهن من حقوق الله وحقوق أزواجهن (حافظات للغيب) أي لما يجب حفظه عند غيبة أزواجهن عنهن من حفظ نفوسهن وحفظ أموالهم، " وما " في قوله (بما حفظ الله) مصدرية: أي بحفظ الله. والمعنى: أنهن حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله لهن ومعونته وتسديده، أو حافظات له بما استحفظهن من أداء الأمانة إلى أزواجهن على الوجه الذي أمر الله به، أو حافظات له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة، ويجوز أن تكون " ما " موصولة والعائد محذوف. وقرأ أبو جعفر (بما حفظ الله) بنصب الاسم الشريف. والمعنى بما حفظن الله: أي حفظن أمره، أو حفظن دينه، فحذف الضمير الراجع إليهن للعلم به، و " ما " على هذه القراءة مصدرية، أو موصولة، كالقراءة الأولى: أي بحفظهن الله، أو بالذي حفظن الله به. قوله (واللاتي تخافون نشوزهن) هذا خطاب للأزواج، قيل الخوف هنا على بابه، وهو حالة تحدث في القلب عند حدوث أمر مكروه، أو عند ظن حدوثه، وقيل المراد بالخوف هنا العلم، والنشوز: العصيان. وقد تقدم بيان أصل معناه في اللغة. قال ابن فارس: يقال نشزت المرأة: استعصت على بعلها، ونشز بعلها عليها: إذا ضربها وجفاها (فعظوهن أي ذكروهن بما أوجبه الله عليهن من الطاعة وحسن العشرة، ورغبوهن ورهبوهن (واهجروهن في المضاجع) يقال هجره: أي تباعد منه. والمضاجع: جمع مضجع، وهو محل الاضطجاع: أي تباعدوا عن مضاجعتهن ولا تدخلوهن تحت ما تجعلونه عليكم حال الاضطجاع من الثياب، وقيل هو أنه يوليها ظهره عند الاضطجاع، وقيل هو كناية عن ترك جماعها، وقيل لا تبيت معه في البيت الذي يضطجع فيه (واضربوهن) أي ضربا غير مبرح.
وظاهر النظم القرآني أنه يجوز للزوج أن يفعل جميع هذه الأمور عند مخافة النشوز، وقيل إنه لا يهجرها إلا بعد عدم تأثير الوعظ، فإن أثر الوعظ لم ينتقل إلى الهجر، وإن كفاه الهجر لم ينتقل إلى الضرب (فإن أطعنكم) كما يجب وتركن النشوز (فلا تبغوا عليهن سبيلا) أي لا تتعرضوا لهن بشئ مما يكرهن لا بقول ولا بفعل، وقيل المعنى:
لا تكلفوهن الحب لكم فإنه لا يدخل تحت اختيارهن (إن الله كان عليا كبيرا) إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب: أي وإن كنتم تقدرون عليهن فاذكروا قدرة الله عليكم فإنها فوق كل قدرة، والله بالمرصاد لكم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) يقول: لا يتمنى الرجل فيقول: ليت أن لي مال فلان وأهله، فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن يسأل الله من فضله (للرجال نصيب مما اكتسبوا) يعني مما ترك الوالدان والأقربون للذكر مثل حظ الأنثيين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة: أن سبب نزول الآية أن النساء قلن: لو جعل أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال؟ وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث. وقد تقدم ذكر سبب النزول. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (واسألوا الله من فضله) قال: ليس بعرض الدنيا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (واسألوا الله من فضله) قال العبادة ليس من أمر الدنيا. وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل ". قال الترمذي كذا رواه حماد بن واقد وليس بالحافظ، ورواه أبو نعيم عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح وكذا رواه ابن جرير وابن مردويه، ورواه أيضا ابن مردويه من حديث ابن عباس. وأخرج البخاري وأبو داود