في قوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) يقول: شرك بالله (ويكون الدين) ويخلص التوحيد لله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية، قال: الشرك. وقوله (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) قال: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله (ويكون الدين لله) يقول: حتى لا تعبدوا إلا الله. وأخرج أيضا عن عكرمة في قوله (فلا عدوان إلا على الظالمين) قال: هم من أبى أن يقول لا إله إلا الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه.
قوله (الشهر الحرام بالشهر الحرام) أي إذا قاتلوكم في الشهر الحرام وهتكوا حرمته قاتلتموهم في الشهر الحرام مكافأة لهم ومجازاة على فعلهم. (والحرمات) جمع حرمة، كالظلمات جمع ظلمة، وإنما جمع الحرمات لأنه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام، والحرمة: ما منع الشرع من انتهاكه. والقصاص: المساواة، والمعنى:
أن كل حرمة يجري فيها القصاص، فمن هتك حرمة عليكم فلكم أن تهتكوا حرمة عليه قصاصا، قيل وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بالقتال، وقيل إنه ثابت بين أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم ينسخ، ويجوز لمن تعدى عليه في مال أو بدن أن يتعدى بمثل ما تعدى عليه، وبهذا قال الشافعي وغيره. وقال آخرون: إن أمور القصاص مقصورة على الحكام، وهكذا الأموال لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك " أخرجه الدارقطني وغيره، وبه قال أبو حنيفة وجمهور المالكية وعطاء الخراساني، والقول الأول أرجح، وبه قال ابن المنذر واختاره ابن العربي والقرطبي، وحكاه الداودي عن مالك، ويؤيده إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها وهو في الصحيح، ولا أصرح وأوضح من قوله تعالى في هذه الآية (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم) وهذه الجملة في حكم التأكيد للجملة الأولى، أعني قوله (والحرمات قصاص) وإنما سمي المكافأة اعتداء مشاكلة كما تقدم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معتمرا في سنة ست من الهجرة وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت، وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة، وهو شهر حرام قاضاهم على الدخول من قابل، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصه الله منهم نزلت في ذلك هذه الآية (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه أيضا. وأخرجا أيضا عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج نحوه. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (فمن اعتدى عليكم) الآية، وقوله - وجزاء سيئة - الآية، وقوله - ولمن انتصر بعد ظلمه - الآية، وقوله - وإن عاقبتم - الآية قال: هذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين، فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى، فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبروا ويعفوا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه، أمر