وأخرج البخاري عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ".
أصل يستنكف نكف وباقي الحروف زائدة، يقال نكفت من الشئ واستنكفت منه وأنكفته: أي نزهته عما يستنكف منه. قال الزجاج: استنكف: أي أنف، مأخوذ من نكفت الدمع: إذا نحيته بإصبعك عن خديك، وقيل هو من النكف وهو العيب، يقال: ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف: أي عيب. ومعنى الأول: لن يأنف عن العبودية ولن يتنزه عنها. ومعنى الثاني: لن يعيب العبودية ولن ينقطع عنها (ولا الملائكة المقربون) عطف على المسيح: أي ولن يستنكف الملائكة المقربون عن أن يكونوا عباد الله.
وقد استدل بهذا القائلون بتفضيل الملائكة على الأنبياء، وقرر صاحب الكشاف وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغنى من جوع وادعى أن الذوق قاض بذلك، ونعم الذوق العربي إذا خالطه محبة المذهب وشابه شوائب الجمود كان هكذا، وكل من يفهم لغة العرب يعلم أن من قال لا يأنف من هذه المقالة إمام ولا مأموم أولا كبير ولا صغير أو لا جليل ولا حقير، ثم يدل هذا على أن المعطوف أعظم شأنا من المعطوف عليه، وعلى كل حال فما أردأ الاشتغال بهذه المسألة وما أقل فائدتها وما أبعدها عن أن تكون مركزا من المراكز الشرعية الدينية وجسرا من الجسور (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر) أي يأنف تكبرا ويعد نفسه كبيرا عن العبادة (فسيحشرهم إليه جميعا) المستنكف وغيره، فيجازي كلا بعلمه. وترك ذكر غير المستنكف هنا لدلالة أول الكلام عليه، ولكون الحشر لكلا الطائفتين (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم) من غير أن يفوتهم منها شئ (وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما) بسبب استنكافهم واستكبارهم (ولا يجدون لهم من دون الله وليا) يواليهم (ولا نصيرا) ينصرهم.
قوله (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) بما أنزله عليكم من كتبه وبمن أرسله إليكم من رسله، وما نصبه لهم من المعجزات. والبرهان: ما يبرهن به على المطلوب (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) وهو القرآن، وسماه نورا لأنه يهتدى به من ظلمة الضلال (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به) أي بالله، وقيل بالنور المذكور (فسيدخلهم في رحمة منه) يرحمهم بها (وفضل) يتفضل به عليهم (ويهديهم إليه) أي إلى امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه أو إليه سبحانه وتعالى باعتبار مصيرهم إلى جزائه وتفضله (صراطا مستقيما) أي طريقا يسلكونه إليه مستقيما لا عوج فيه، وهو التمسك بدين الإسلام وترك غيره من الأديان، قال أبو علي الفارسي: الهاء في قوله (إليه) راجعة إلى