قال الأصمعي: قلت لأعرابي ما القرب؟ قال: سير الليل لورود الغد. والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة، ولهذا جاء به عوضا عن الأكل، ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل، لأنه قد يأكل من ثمر الشجرة من هو بعيد عنها إذا يحمل إليه، فالأولى أن يقال: المنع من الأكل مستفاد من المقام. والشجر:
ما كان له ساق من نبات الأرض وواحده شجرة وقرئ بكسر الشين وبالياء المثناة من تحت مكان الجيم. وقرأ ابن محيصن " هذي " بالياء بدل الهاء وهو الأصل. واختلف أهل العلم في تفسير هذه الشجرة، فقيل: هي الكرم وقيل السنبلة، وقيل التين، وقيل الحنطة، وسيأتي ما روى عن الصحابة فمن بعدهم في تعيينها. وقوله (فتكونا) معطوف على (تقربا) في الكشاف، أو نصب في جواب النهي وهو الأظهر. والظلم أصله: وضع الشئ في غير موضعه. والأرض المظلومة: التي لم تحفر قط ثم حفرت، ورجل ظليم: شديد الظلم. والمراد هنا (فتكونا من الظالمين) لأنفسهم بالمعصية، وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه، وقد أطال البحث في ذلك الرازي في تفسيره في هذا الموضع فليرجع إليه فإنه مفيد. وأزلهما من الزلة وهي الخطيئة أي استزلهما وأوقعهما فيها، وقرأ حمزة " فأزالهما " بإثبات الألف من الإزالة وهي التنحية: أي نحاهما - وقرأ الباقون بحذف الألف. قال ابن كيسان: هو من الزوال: أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية. قال القرطبي: وعلى هذا تكون القراءتان بمعنى، إلا أن قراءة الجماعة أمكن في المعنى، يقال منه: أزللته فزل و (عنها) متعلق بقوله أزلهما على تضمينه معنى أصدر: أي أصدر الشيطان زلتهما عنها أي بسببها، يعني الشجرة. وقيل الضمير للجنة، وعلى هذا فالفعل مضمن معنى أبعدهما: أي أبعدهما عن الجنة. وقوله (فأخرجهما) تأكيد لمضمون الجملة الأولى: أي أزلهما إن كان معناه زال عن المكان، وإن لم يكن معناه كذلك فهو تأسيس، لأن الإخراج فيه زيادة على مجرد الصرف والإبعاد ونحوهما، لأن الصرف عن الشجرة والإبعاد عنها قد يكون مع البقاء في الجنة بخلاف الإخراج لهما عما كانا فيه من النعيم والكرامة أو من الجنة - وإنما نسب ذلك إلى الشيطان لأنه الذي تولى إغواء آدم حتى أكل من الشجرة. وقد اختلف أهل العلم في الكيفية التي فعلها الشيطان في إزلالهما، فقيل إنه كان ذلك بمشافهة منه لهما، وإليه ذهب الجمهور واستدلوا على ذلك بقوله تعالى - وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين - والمقاسمة ظاهرها المشافهة: وقيل لم يصدر منه إلا مجرد الوسوسة، وقيل غير ذلك مما سيأتي في المروي عن السلف. وقوله (اهبطوا) خطاب لآدم وحواء، وخوطبا بما يخاطب به الجمع لأن الاثنين أقل الجمع عند البعض من أئمة العربية، وقيل إنه خطاب لهما ولذريتهما، لأنهما لما كانا أصل هذا النوع الإنساني جعلا بمنزلته، ويدل على ذلك قوله (بعضكم لبعض عدو) فإن هذه الجملة الواقعة حالا مبينا للهيئة الثابتة للمأمورين بالهبوط تفيد ذلك. والعدو خلاف الصديق، وهو من عدا إذا ظلم، ويقال ذئب عدوان: أي يعدو على الناس، والعدوان: الظلم الصراح وقيل: إنه مأخوذ من المجاوزة، يقال عداه: إذا جاوزه، والمعنيان متقاربان، فإن من ظلم فقد تجاوز. وإنما أخبر عن قوله (بعضكم) بقوله (عدو) مع كونه مفردا، لأن لفظ بعض وإن كان معناه محتملا للتعدد فهو مفرد فروعي جانب اللفظ وأخبر عنه بالمفرد، وقد يراعى المعنى فيخبر عنه بالمتعدد. وقد يجاب بأن (عدو) وإن كان مفردا فقد يقع موقع المتعدد كقوله تعالى - وهم لكم عدو - وقوله - يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو - قال ابن فارس العدو اسم جامع للواحد والاثنين والثلاثة. والمراد بالمستقر: موضع الاستقرار، ومنه - أصحاب الجنة يومئذ خير مستقر - وقد يكون بمعنى الاستقرار، ومنه - إلى ربك يومئذ المستقر - فالآية محتملة للمعنيين، ومثلها قوله - جعل لكم الأرض قرارا - والمتاع: ما يستمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها. واختلف المفسرون في قوله