شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا - وهو قول خارج عن الإجماع ولا تنافي بين الاثنين. وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر وما يتبعه ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا؟ وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور، وروى مثل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وقال طاوس وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق: إنه لا يجوز، وسيأتي ما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقوله تعالى (تلك حدود الله) أي أحكام النكاح والفراق المذكورة هي حدود الله التي أمرتم بامتثالها، فلا تعتدوها بالمخالفة لها فتستحقوا ما ذكره الله من التسجيل على فاعل ذلك بأنه ظالم. قوله تعالى (فإن طلقها) أي الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله (أو تسريح بإحسان) أي فإن وقع منه ذلك فقد حرمت عليه بالتثليث (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) أي حتى تتزوج بزوج آخر. وقد أخذ بظاهر الآية سعيد ابن المسيب ومن وافقه قالوا يكفي مجرد العقد لأنه المراد بقوله (حتى تنكح زوجا غيره) وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لا بد مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اعتبار ذلك وهو زيادة يتعين قبولها، ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب ومن تابعه، وفي الآية دليل على أنه لابد من أن يكون ذلك نكاحا شرعيا مقصودا لذاته لا نكاحا غير مقصود لذاته، بل حيلة للتحليل، وذريعة إلى ردها إلى زوج الأول، فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذم فاعله، وأنه التيس المستعار الذي لعنه الشارع ولعن من اتخذه لذلك. قوله (فإن طلقها) أي الزوج الثاني (فلا جناح عليهما) أي الزوج الأول والمرأة (أن يتراجعا) أي يرجع كل واحد منهما لصاحبه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته ثلاثا ثم انقضت عدتها ونكحت زوجا ودخل بها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم نكحها الزوج الأول أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات. قوله (إن ظنا أن يقيما حدود الله) أي حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر. وأما إذا لم يحصل ظن ذلك بأن يعلما أو أحدهما عدم الإقامة لحدود الله، أو ترددا أو أحدهما ولم يحصل لهما الظن، فلا يجوز الدخول في هذا النكاح لأنه مظنة للمعصية لله والوقوع فيما حرمه على الزوجين. وقوله (وتلك حدود الله) إشارة إلى الأحكام المذكورة كما سلف، وخص الذين يعلمون مع عموم الدعوة للعالم وغيره، ووجوب التبليغ لكل فرد، لأنهم المنتفعون بالبيان المذكور.
وقد أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا ما دنا وقت انقضاء عدتها ارتجعها، ثم طلقها، ثم قال: والله لا آويك إلى ولا تحلين أبدا، فأنزل الله (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق ومن لم يطلق. وأخرج نحوه الترمذي وابن مردويه والحاكم وصححه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وأخرج البخاري عنها: أنها أتتها امرأة فسألتها عن شئ من الطلاق، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنزلت (الطلاق مرتان). وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي رزين الأسدي قال: قال رجل " يا رسول الله أرأيت قول الله الطلاق مرتان، فأين الثالثة؟ قال: التسريح بإحسان الثالثة " وأخرج نحوه ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قال: قال الله للثالثة (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب قال: التسريح في كتاب الله الطلاق.