التواضع لا لتعظيم النفس، وقدمت العبادة على الاستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب، وإطلاق الاستعانة لقصد التعميم. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله إياك نعبد: يعني إياك نوحد ونخاف يا ربنا لا غيرك، وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها. وحكى ابن كثير عن قتادة أنه قال في إياك نعبد وإياك نستعين: يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم. وفي صحيح مسلم من حديث المعلى بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال: حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ". وأخرج أبو القاسم البغوي والباوردي معا في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة فلقى العدو فسمعته يقول: يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين. قال: فلقد رأيت الرجال تصرع فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها ".
(اهدنا الصراط المستقيم) قرأه الجمهور بالصاد، وقرأ السراط بالسين، والزراط بالزاي، والهداية قد يتعذر فعلها بنفسه كما هنا، وكقوله - وهديناه النجدين - وقد يتعدى بإلى كقوله - اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم - - فاهدوهم إلى صراط الجحيم - وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم - وقد يتعدى باللام كقوله - الحمد لله الذي هدانا لهذا - إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم - قال الزمخشري: أصله أن يتعدى باللام أو بإلى انتهى. وهي الإرشاد أو التوفيق أو الإلهام أو الدلالة. وفرق كثير من المتأخرين بين معنى المتعدي بنفسه وغير المتعدي فقالوا: معنى الأول الدلالة، والثاني الإيصال. وطلب الهداية من المهتدي معناه طلب الزيادة كقوله تعالى - والذين اهتدوا زادهم هدى - والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا - والصراط: الطريق، قال ابن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم: هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو كذلك في لغة جميع العرب. قال: ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله فتصف المستقيم باستقامته والمعوج باعوجاجه. وقد أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ اهدنا الصراط المستقيم بالصاد ". وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه عن ابن عباس " أنه قرأ الصراط بالسين "، وأخرج ابن الأنباري عن ابن كثير أنه كان يقرأ السراط بالسين. وأخرج أيضا عن حمزة أنه كان يقرأ الزراط بالزاي. قال الفراء: هي لغة لعذرة وكلب وبني القين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال " اهدنا الصراط المستقيم يقول: ألهمنا دينك الحق ". وأخرج ابن جرير عنه وابن المنذر نحوه. وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله أنه قال " هو دين الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض ". وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس، وأخرج نحوه أيضا عن ابن مسعود وناس من الصحابة. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي