وما قيل من أنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة ولم يسمع من عروة فقد رواه أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه ابن جرير من حديث ليث عن عطاء عن عائشة، ورواه أحمد أيضا وأبو داود والنسائي من حديث أبي روق الهمداني عن إبراهيم التيمي عن عائشة ورواه أيضا ابن جرير من حديث أم سلمة، ورواه أيضا من حديث زينب السهمية. ولفظ حديث أم سلمة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ولا يفطر ولا يحدث وضوءا ". ولفظ حديث زينب السهمية: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ ". ورواه أحمد عن زينب السهمية عن عائشة. قوله (فلم تجدوا ماء) هذا القيد إن كان راجعا إلى جميع ما تقدم مما هو مذكور بعد الشرط، وهو المرض والسفر والمجئ من الغائط وملامسة النساء كان فيه دليل على أن المرض والسفر بمجردهما لا يسوغان التيمم، بل لابد مع وجود أحد السببين من عدم الماء فلا يجوز للمريض أن يتيمم إلا إذا لم يجد ماء، ولا يجوز للمسافر أن يتيمم إلا إذا لم يجد ماء، ولكنه يشكل على هذا أن الصحيح كالمريض إذا لم يجد الماء تيمم، وكذلك المقيم كالمسافر إذا لم يجد الماء تيمم، فلا بد من فائدة في التنصيص على المرض والسفر، فقيل وجه التنصيص عليهما أن المرض مظنة للعجز عن الوصول إلى الماء، وكذلك المسافر عدم الماء في حقه غالب، وإن كان راجعا إلى الصورتين الأخيرتين: أعني قوله (أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء) كما قال بعض المفسرين كان فيه إشكال، وهو أن من صدق عليه اسم المريض أو المسافر جاز له التيمم، وإن كان واجدا للماء قادرا على استعماله وقد قيل إنه رجع هذا القيد إلى الآخرين مع كونه معتبرا في الأولين لندرة وقوعه فيهما. وأنت خبير بأن هذا كلام ساقط وتوجيه بارد. وقال مالك ومن تابعه: ذكر الله المرض والسفر في شرط التيمم اعتبارا بالأغلب في من لم يجد الماء بخلاف الحاضر، فإن الغالب وجوده، فلذلك لم ينص الله سبحانه عليه انتهى. والظاهر أن المرض بمجرده مسوغ للتيمم، وإن كان الماء موجودا إذا كان يتضرر باستعماله في الحال أو في المآل، ولا يعتبر خشية التلف فالله سبحانه يقول - يريد الله بكم اليسر - ويقول - وما جعل عليكم في الدين من حرج -، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " الدين يسر " ويقول " يسروا ولا تعسروا " وقال " قتلوه قتلهم الله " ويقول " أمرت بالشريعة السمحة " فإذا قلنا: إن قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع كان وجه التنصيص على المرض هو أنه يجوز له التيمم والماء حاضر موجود إذا كان استعماله يضره، فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله لا يضره، فإن في مجرد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون مظنة لعجزه عن الطلب، لأنه يلحقه بالمرض نوع ضعف. وأما وجه التنصيص على المسافر فلا شك أن الضرب في الأرض مظنة لإعواز الماء في بعض البقاع دون بعض. قوله (فتيمموا) التيمم لغة: القصد، يقال:
تيممت الشئ: قصدته، وتيممت الصعيد. تعمدته، وتيممته بسهمي ورمحي: قصدته دون من سواه، وأنشد الخليل: يممته الرمح شزرا ثم قلت له * هذي البسالة لا لعب الزحاليق وقال امرؤ القيس:
تيممتها من أذرعات وأهلها * بيثرب أدنى دارها نطر عالي وقال: تيممت العين التي عند ضارج * يفئ عليها الظل عرمضها ظامي قال ابن السكيت: قوله (فتيمموا) أي اقصدوا، ثم كثر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب. وقال ابن الأنباري في قولهم قد تيمم الرجل: معناه قد مسح التراب على وجهه، وهذا خلط منهما للمعنى اللغوي بالمعنى الشرعي، فإن العرب لا تعرف التيمم بمعنى مسح الوجه واليدين، وإنما هو معنى شرعي