إلا في اثنين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " وقد بوب عليه البخاري " باب الاغتباط في العلم والحكم " وعموم لفظ الآية يقتضي تحريم تمني ما وقع به التفضيل سواء كان مصحوبا بما يصير به من جنس الحسد أم لا، وما ورد في السنة من جواز ذلك في أمور معينة يكون مخصصا لهذا العموم، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله (للرجال نصيب) الخ، فيه تخصيص بعد التعميم ورجوع إلى ما يتضمنه سبب نزول الآية من أن أم سلمة قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزى ولا نقاتل فنستشهد، وإنما لنا نصف الميراث فنزلت. أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي، وقد روى نحو هذا السبب من طرق بألفاظ مختلفة. والمعنى في الآية: أن الله جعل لكل من الفريقين نصيبا على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته، وعبر عن ذلك المجعول لكل فريق من فريقي النساء والرجال بالنصيب مما اكتسبوا من الثواب والعقاب وللنساء كذلك. وقال ابن عباس: المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى ما ذكرنا. قوله (واسألوا الله من فضله) عطف على قوله (ولا تتمنوا) وتوسيط التعليل بقوله (للرجال نصيب) الخ. بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير ما تضمنه النهي، وهذا الأمر يدل على وجوب سؤال الله سبحانه من فضله كما قال جماعة من أهل العلم. قوله (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) أي جعلنا لكل إنسان ورثة موالي يلون ميراثه، فلكل مفعول ثان قدم على الفعل لتأكيد الشمول، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها: أي ليتبع كل أحد ما قسم الله له من الميراث، ولا يتمن ما فضل الله به غيره عليه - وقد قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله بعدها (والذين عاقدت أيمانكم) وقيل العكس كما روى ذلك ابن جرير. وذهب الجمهور إلى أن الناسخ لقوله (والذين عاقدت أيمانكم) قوله تعالى - وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض - والموالي جمع مولى، وهو يطلق على المعتق والمعتق والناصر وابن العم والجار قيل والمراد هنا العصبة: أي ولكل جعلنا عصبة يرثون ما أبقت الفرائض. قوله (والذين عاقدت أيمانكم) المراد بهم موالي الموالاة: كان الرجل من أهل الجاهلية يعاقد الرجل: أي يحالفه فيستحق من ميراثه نصيبا، ثم ثبت في صدر الإسلام بهذه الآية، ثم نسخ بقوله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض - وقراءة الجمهور " عاقدت " وروى عن حمزة أنه قرأ " عقدت " بتشديد القاف على التكثير: أي والذين عقدت لهم أيمانكم الحلف، أو عقدت عهودهم أيمانكم، والتقدير على قراءة الجمهور:
والذين عاقدتهم له أيمانكم فآتوهم نصيبهم: أي ما جعلتموه لهم بعقد الحلف. قوله (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) هذه الجملة مستأنفة مشتملة على بيان العلة التي استحق بها الرجال الزيادة، كأنه قيل كيف استحق الرجال ما استحقوا مما لم تشاركهم فيه النساء، فقال (الرجال قوامون) الخ، والمراد أنهم يقومون بالذب عنهن كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعاية، وهم أيضا يقومون بما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن وجاء بصيغة المبالغة في قوله (قوامون) ليدل على أصالتهم في هذا الأمر، والباء في قوله (بما فضل الله) للسببية والضمير في قوله (بعضهم على بعض) للرجال والنساء: أي إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضلهم به من كون فيهم الخلفاء والسلاطين والحكام والأمراء والغزاة وغير ذلك من الأمور. قوله (وبما أنفقوا) أي وبسبب ما أنفقوا من أموالهم، وما مصدرية أو موصولة، وكذلك هي في قوله (بما فضل الله) ومن تبعيضية، والمراد ما أنفقوه في الإنفاق على النساء، وبما دفعوه في مهروهن من أموالهم، وكذلك ما ينفقونه في الجهاد وما يلزمهم في العقل.