بعض الخارجين دون بعض. قال الرازي في تفسيره: واختلف أهل القبلة هل هو مؤمن أو كافر؟ فعند أصحابنا أنه مؤمن، وعند الخوارج أنه كافر، وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر، واحتج المخالف بقوله تعالى - بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان - وقوله (إن المنافقين هم الفاسقون) وقوله - حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان - وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام انتهى. وقوله (الذين ينقضون) في محل نصب وصفا للفاسقين. والنقض: إفساد ما أبرم من بناء أو حبل أو عهد، والنقاضة: ما نقض من حبل الشعر.
والعهد: قيل هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره، وقيل: هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسن رسله، ونقضهم ذلك: ترك العمل به، وقيل: بل هو نصب الأدلة على وحدانيته بالسموات والأرض وسائر مخلوقاته، ونقضه: ترك النظر فيه، وقيل: هو ما عهده إلى الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس. والميثاق: العهد المؤكد باليمين مفعال من الوثاقة وهي الشدة في العقد والربط. والجمع المواثيق والمياثيق، وأنشد ابن الأعرابي:
حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا * ولا نسأل الأقوام عهد المياثق واستعمال النقض في إبطال العهد على سبيل الاستعارة. والقطع معروف، والمصدر في الرحم القطيعة، وقطعت الحبل قطعا، وقطعت النهر قطعا. " وما " في قوله (ما أمر الله به) في موضع نصب بيقطعون و (أن يوصل) في محل نصب بأمر. ويحتمل أن يكون بدلا من ما، أو من الهاء في به. واختلفوا ما هو الشئ الذي أمر الله بوصله فقيل: الأرحام، وقيل: أمر أن يوصل القول بالعمل، وقيل: أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب البعض الآخر، وقيل: المراد به حفظ شرائعه وحدوده التي أمر في كتبه المنزلة وعلى ألسن رسله بالمحافظة عليا فهي عامة، وبه قال الجمهور وهو الحق. والمراد بالفساد في الأرض الأفعال والأقوال المخالفة لما أمر الله به، كعبادة غيره والإضرار بعباده وتغيير ما أمر بحفظه، وبالجملة فكل ما خالف الصلاح شرعا أو عقلا فهو فساد. والخسران: النقصان، والخاسر، هو الذي نقص نفسه من الفلاح والفوز، وهؤلاء لما استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل كان عملهم فسادا لما نقصوا أنفسهم من الفلاح والربح. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال: لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) وقوله - أو كصيب من السماء - قال المنافقون: الله أعلا وأجل من أن يضرب هذه الأمثال فأنزل الله (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا) الآية. وأخرج الواحدي في تفسيره عن ابن عباس قال: إن الله ذكر آلهة المشركين فقال - وإن يسلبهم الذباب شيئا - وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا: أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شئ كان يصنع بهذا؟ فأنزل الله (إن الله لا يستحي) وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحو قول ابن عباس.
وأخرج ابن أبي خاتم عن الحسن قال: لما نزلت - أيها الناس ضرب مثل - قال المشركون: ما هذا من الأمثال فيضرب؟ فأنزل الله هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) قال: يؤمن به المؤمن، ويعلمون أنه الحق من ربهم ويهديهم الله به، ويعرفه الفاسقون فيكفرون به. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله (يضل به كثيرا) يعني المنافقين (ويهدى به كثيرا) يعني المؤمنين (وما يضل به إلا الفاسقين) قال هم المنافقون. وفي قوله (ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) قال: هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس