أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني في هذه الآية قال: جاء رجل وامرأة إلى علي ومعهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا، قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال: كذبت والله حتى تقر مثل الذي أقرت به. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، والذي بعثهما عثمان. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن قال: إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه، فأما الفرقة فليست بأيديهما. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج البيهقي عن علي قال: إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشئ حتى يجتمعا.
قد تقدم بيان معنى العبادة. وشيئا إما مفعول به: أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء من غير فرق بين حي وميت وجماد وحيوان، وإما مصدر: أي لا تشركوا به شيئا من الإشراك من غير فرق بين الشرك الأكبر والأصغر والواضح والخفي. وقوله (إحسانا) مصدر لفعل محذوف: أي أحسنوا بالوالدين إحسانا. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع، وقد دل ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد الأمر بعبادة الله والنهي عن الإشراك به علي عظم حقهما. ومثله " أن اشكر لي ولوالديك " فأمر سبحانه بأن يشكرا معه. قوله (وبذي القربى) أي صاحب القرابة، وهو من يصح إطلاق اسم القربى عليه وإن كان بعيدا. (واليتامى والمساكين) قد تقدم تفسيرهم، والمعنى وأحسنوا بذي القربى إلى آخر ما هو:
مذكور في هذه الآية (والجار ذي القربى) أي القريب جواره، وقيل هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب (والجار الجنب) المجانب وهو مقابل للجار ذي القربى، والمراد من يصدق عليه مسمى الجوار مع كون داره بعيدة، وفي ذلك دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة، وعلى أن الجوار حرمة مرعية مأمور بها. وفيه رد من على يظن أن الجار مختص بالملاصق دون من بينه وبينه حائل، أو مختص بالقريب دون البعيد، وقيل إن المراد بالجار الجنب هنا هو الغريب، وقيل هو الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبين المجاور له.
وقرأ الأعمش والمفضل (والجار الجنب) بفتح الجيم وسكون النون: أي ذي الجنب. وهو الناحية، وأنشد الأخفش:
* الناس جنب والأمير جنب * وقيل المراد بالجار ذي القربى: المسلم، وبالجار الجنب: اليهودي والنصراني.
وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي يصدق عليه مسمى الجوار ويثبت لصاحبه الحق. فروى عن الأوزاعي والحسن أنه إلى حد أربعين دارا من كل ناحية، وروى عن الزهري نحوه، وقيل من سمع إقامة الصلاة، وقيل إذا جمعتهما محلة، وقيل من سمع النداء. والأولى أن يرجع في معنى الجار إلى الشرع، فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه وأنه يكون جارا إلى حد كذا من الدور، أو من مسافة الأرض، كان العمل عليه متعينا وإن لم يوجد رجع إلى معناه لغة أو عرفا. ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدار كذا، ولا ورد في لغة العرب أيضا