بأعمالكم. وقد قرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ومجاهد وسلام ويعقوب بفتح حرف المضارعة، وقرأ الجماعة بضمه. قال في الكشاف: عطف الأول بالفاء وما بعده بثم، لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ، وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء، والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخيا ظاهرا، وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه، والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور انتهى. ولا يخفاك أنه إن أراد بقوله أن الأحياء الأول قد تعقب الموت أنه وقع على ما هو متصف بالموت، فالموت الآخر وقع على ما هو متصف بالحياة، وإن أراد أنه وقع الإحياء الأول عند أول اتصافه بالموت بخلاف الثاني فغير مسلم، فإنه وقع عند آخر أوقات موته كما وقع الثاني عند آخر أوقات حياته، فتأمل هذا. وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى (وكنتم أمواتا) الآية، قال: لم تكونوا شيئا فخلقكم (ثم يميتكم ثم يحييكم) يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه أيضا. وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال: يميتكم ثم يحييكم في القبر ثم يميتكم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله (وكنتم أمواتا) قال: حين لم تكونوا شيئا، ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة، ثم يرجعون إليه بعد الحياة. وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خلقهم من ظهر آدم فأخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم، ثم أحياهم يوم القيامة. والصحيح الأول.
قال ابن كيسان (خلق لكم) أي من أجلكم، وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل، ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر، وفي التأكيد بقوله (جميعا) أقوى دلالة على هذا. وقد استدل بهذه الآية على تحريم أكل الطين لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض. وقال الرازي في تفسيره: إن لقائل أن يقول: إن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الأرض فيكون جامعا للوصفين، ولا شك أن المعادن داخلة في ذلك، وكذلك عروق الأرض وما يجري مجرى البعض لها ولأن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه انتهى. وقد ذكر صاحب الكشاف ما هو أوضح من هذا فقال: فإن قلت: هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة؟ قلت: إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء ويراد الجهات العلوية جاز ذلك، فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية انتهى. وأما التراب فقد ورد في السنة تحريمه، وهو أيضا ضار فليس مما ينتفع به أكلا، ولكنه ينتفع به في منافع أخرى، وليس المراد منفعة خاصة كمنفعة الأكل، بل كل ما يصدق عليه أنه ينتفع به بوجه من الوجوه، وجميعا منصوب على الحال. والاستواء في اللغة: الاعتدال والاستقامة، قاله في الكشاف، ويطلق على الارتفاع والعلو على الشئ، قال تعالى - فإذا استويت أنت ومن معك على الفك - وقال - لتستووا - على ظهوره - وهذا المعنى هو المناسب لهذه الآية. وقد قيل: إن هذه الآية من المشكلات. وقد ذهب كثير من الأئمة إلى الإيمان بها وترك التعرض لتفسيرها، وخالفهم آخرون. والضمير في قوله (فسواهن) مبهم يفسره ما بعده كقولهم: زيد رجلا، وقيل: إنه راجع إلى السماء لأنها في معنى الجنس، والمعنى: أنه عدل خلقهن فلا اعوجاج فيه. وقد استدل بقوله (ثم استوى) على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء. وكذلك الآية التي في حم السجدة. وقال في النازعات