أضاء لهم مشوا فيه) كلام مستأنف كأنه قيل كيف تصنعون في تارتي خفوق البرق وسكونه، وهو تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أهل الصيب (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) بالزيادة في الرعد والبرق (إن الله على كل شئ قدير) وهذا من جملة مقدوراته سبحانه. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال (أو كصيب) هو المطر ضرب مثله في القرآن (فيه ظلمات) يقول ابتلاء (ورعد وبرق) تخويف (يكاد البرق يخطف أبصارهم) يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين (كلما أضاء لهم مشوا فيه) يقول:
كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله - ومن الناس من يعبد الله على حرف - الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق، فجعلا كلما أصابهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا قاما مكانهما لا يمشيان فجعلا يقولان: ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده، فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزل فيهم شئ أو يذكروا بشئ فيقتلوا، كما كان ذلك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فيه: أي فإذا كثرت أموالهم وأولادهم وأصابوا غنيمة وفتحا مشوا فيه وقالوا: إن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم حينئذ صدق واستقاموا عليه، كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهم البرق، وإذا أظلم عليهم قاموا فكانوا إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وارتدوا كفرا كما قام المنافقان حين أظلم البرق عليهما. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال (أو كصيب) قال: هو المطر وهو مثل للمنافق في ضوئه يتكلم بما معه من كتاب الله مرآة الناس، فإذا خلا وحده عمل بغيره فهو في ظلمة ما أقام على ذلك. وأما الظلمات: فالضلالات. وأما البرق: فالإيمان، وهم أهل الكتاب. وإذا أظلم عليهم: فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا نحو ما سلف. وقد روى تفسيره بنحو ذلك عن جماعة من التابعين.
واعلم أن المنافقين أصناف. فمنهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ومنهم من قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما " ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف. وإذا أؤتمن خان " وورد بلفظ أربع وزاد " وإذا خاصم فجر ". وورد بلفظ " وإذا عاهد غدر ". وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين.