في قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) يقول: يعرفه الكافرون فيكفرون به. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال:
فسقوا فأضلهم الله بفسقهم. وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص قال:
الحرورية هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان يسميهم الفاسقين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق، فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به الله. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث ثابتة في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة النهي عن نقض العهد والوعيد الشديد عليه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) قال: الرحم والقرابة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله (ويفسدون في الأرض) قال: يعملون فيها بالمعصية. وأخرج ابن المنذر عن مقاتل في قوله (أولئك هم الخاسرون) يقول: هم أهل النار. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شئ نسبه الله إلى غير أهل الإسلام مثل خاسر ومسرف وظالم ومجرم وفاسق فإنما يعني به الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذم.
كيف مبنية على الفتح لخفته وهي في موضع نصب بتكفرون، ويسأل بها عن الحال، وهذا الاستفهام هو للإنكار عليهم والتعجيب من حالهم وهي متضمنة لهمزة الاستفهام، والواو في (وكنتم) للحال وقد مقدرة كما قال الزجاج والفراء، وإنما صح جعل هذا الماضي حالا لأن الحال ليس هو مجرد قوله (كنتم أمواتا) بل هو وما بعده إلى قوله (ترجعون) كما جزم به صاحب الكشاف كأنه قال: كيف تكفرون؟ وقصتكم هذه: أي وأنتم عالمون بهذه القصة وبأولها وآخرها. والأموات جمع ميت، واختلف المفسرون في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين - فقيل إن المراد (كنتم أمواتا) قبل أن تخلقوا: أي معدومين، لأنه يجوز إطلاق اسم الموت على المعدوم لاجتماعهما في عدم الإحساس (فأحياكم) أي خلقكم (ثم يميتكم) عند انقضاء آجالكم (ثم يحييكم) يوم القيامة. وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة فمن بعدهم. قال ابن عطية: وهذا القول هو المراد بالآية، وهو الذي لا محبذ للكفار عنه، وإذا أذعنت نفوس الكفار بكونهم كانوا معدومين ثم أحياء في الدنيا ثم أمواتا فيها لزمهم الإقرار بالحياة الأخرى.
قال غيره: والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا. وقيل: إن المراد كنتم أمواتا في ظهر آدم ثم أخرجكم من ظهره كالذر، ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم. وقيل (كنتم أمواتا) أي نطفا في أصلاب الرجال (ثم يحييكم) حياة الدنيا. (ثم يميتكم) بعد هذه الحياة (ثم يحييكم) في القبور (ثم يميتكم) في القبر (ثم يحييكم) الحياة التي ليس بعدها موت. قال القرطبي: فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات وثلاث إحياءات وكونهم موتى في ظهر آدم وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفا في أصلاب الرجال، فعلى هذا يجيء أربع موتات وأربع إحياءات. وقد قيل: إن الله أوجدهم قبل خلق آدم كالبهائم وأمهاتهم فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات، وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في الحديث " ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجئ بهم، إلى أن قال: فينبتون نبات الحبة في حميل السيل " وهو في الصحيح من حديث أبي سعيد. وقوله (ثم إليه ترجعون) أي إلى الله سبحانه فيجازيكم