مالا يحل للمحرم استباحته، وهو معنى تمتع به واستمتع. ولا خلاف بين أهل العلم في جواز التمتع، بل هو عندي أفضل أنواع الحج كما حررته في شرحي على المنتقى. وقد تقدم الخلاف في معنى قوله (فما استيسر من الهدى).
قوله (فمن لم يجد) الآية، أي فمن لم يجد الهدى، إما لعدم المال أو لعدم الحيوان، صام ثلاثة أيام في الحج: أي في أيام الحج، وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر، وقيل يصوم قبل يوم التروية يوما ويوم التروية ويوم عرفة، وقيل ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة، وقيل يصومهن من أول عشر ذي الحجة، وقيل ما دام بمكة، وقيل إنه يجوز أن يصوم الثلاث قبل أن يحرم. وقد جوز بعض أهل العلم صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدى، ومنعه آخرون. قوله (وسبعة إذا رجعتم) قرأه الجمهور بخفض سبعة، وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة بالنصب على أنه معمول بفعل مقدر: أي وصوموا سبعة، وقيل على أنه معطوف على ثلاثة، لأنها وإن كانت مجرورة لفظا فهي في محل نصب كأنه قيل فصيام ثلاثة. والمراد بالرجوع هنا الرجوع إلى الأوطان. قال أحمد وإسحاق: يجزيه الصوم في الطريق، ولا يتضيق عليه الوجوب إلا إذا وصل وطنه، وبه قال الشافعي وقتادة والربيع ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وغيرهم. وقال مالك: إذا رجع من منى فلا بأس أن يصوم، والأول أرجح. وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم " فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله " فبين صلى الله عليه وآله وسلم أن الرجوع المذكور في الآية هو الرجوع إلى الأهل. وثبت أيضا في الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ " وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم " وإنما قال سبحانه (تلك عشرة كاملة) مع أن كل أحد يعلم أن الثلاثة والسبعة عشرة، لدفع أن يتوهم متوهم التخيير بين الثلاثة الأيام في الحج والسبعة إذا رجع. قاله الزجاج. وقال المبرد: ذكر ذلك ليدل على انقضاء العدد لئلا يتوهم متوهم أنه قد بقي منه شئ بعد ذكر السبعة، وقيل هو توكيد كما تقول كتبت بيدي. وقد كانت العرب تأتي بمثل هذه الفذلكة فيما دون هذا العدد، كقول الشاعر:
ثلاث واثنتان فهن خمس * وسادسة تميل إلى سهامي وكذا قول الآخر: ثلاث بالعداد وذاك حسبي * وست حين يدركني العشاء فذلك تسعة في اليوم ري * وشرب المرء فوق الري داء وقوله (كاملة) توكيد آخر بعد الفذلكة لزيادة التوصية بصيامها، وأن لا ينقص من عددها. وقوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) الإشارة بقوله (ذلك) قيل هي راجعة إلى التمتع، فتدل على أنه لا متعة لحاضري المسجد الحرام كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه، قالوا: ومن تمتع منهم كان عليه دم، وهو دم جناية لا يأكل منه، وقيل إنها راجعة إلى الحكم، وهو وجوب الهدى والصيام، فلا يجب ذلك على من كان من حاضري المسجد الحرام، كما يقوله الشافعي ومن وافقه. والمراد بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام: من لم يكن ساكنا في الحرم، أو من لم يكن ساكنا في المواقيت فما دونها على الخلاف في ذلك بين الأئمة. وقوله (واتقوا الله) أي فيما فرضه عليكم في هذه الأحكام، وقيل هو أمر بالتقوى على العموم وتحذير من شدة عقاب الله سبحانه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وابن عبد البر في التمهيد عن يعلى بن أمية قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق، فقال: كيف تأمرني يا رسول الله أن