وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (ولا تنكحوا المشركات) قال: استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب، فقال - والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب -. وقد روى هذا المعنى عنه من طرق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير في قوله (ولا تنكحوا المشركات) يعني أهل الأوثان.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد نحوه، وكذلك أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة نحوه أيضا وأخرج عبد بن حميد عن النخعي نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب، وتأول (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن). وأخرج البخاري عنه قال: حرم الله نكاح المشركات على المسلمين، ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله. وأخرج الواحدي وابن عساكر من طريق السدى عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله تعالى (ولأمة مؤمنة خير من مشركة) قال نزلت في عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره خبرها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له: ما هي يا عبد الله؟ قال: تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة، فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها، ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله فيهم (ولأمة مؤمنة خير من مشركة). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله (ولأمة مؤمنة) قال: بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء، فأعتقها وتزوجها حذيفة. وأخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن علي قال النكاح يولي في كتاب الله، ثم قرأ (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا).
قوله (المحيض) هو الحيض، وهو مصدر، يقال حاضت المرأة حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة، كذا قال الفراء وأنشد * كحائضة تزني بها غير طاهرة * ونساء حيض وحوائض، والحيضة بالكسر: المرة الواحدة وقيل الاسم، وقيل المحيض عبارة عن الزمان والمكان، وهو مجاز فيهما. وقال ابن جرير الطبري: المحيض اسم الحيض، ومثله قول رؤبة: * إليك أشكو شدة المعيش * أي العيش، وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال حاض السيل وفاض، وحاضت الشجرة: أي سالت رطوبتها، ومنه الحيض: أي الحوض لأن الماء يحوض إليه: أي يسيل. وقوله (قل هو أذى) أي قل هو شئ يتأذى به: أي برائحته، والأذى كناية عن القذر ويطلق على القول المكروه ومنه قوله تعالى - لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى -. ومنه قوله تعالى - ودع أذاهم - وقوله (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي فاجتنبوهن في زمان الحيض إن حمل المحيض على المصدر أو في محل الحيض إن حمل على الاسم. والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز، بل يجوز