هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا (سمعنا وأطعنا غفرانك وإليك المصير) فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) الآية، فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) إلى آخرها. وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا نحوه، وزاد فأنزل الله (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال: قد فعلت (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) قال: قد فعلت (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) قال: قد فعلت (واعف عنا وأغفر لنا وارحمنا) الآية، قال: قد فعلت. وقد رويت هذه القصة عن ابن عباس من طرق.
وأخرج البخاري والبيهقي عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسبه ابن عمر (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) قال: نسختها الآية التي بعدها. وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن علي نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن جرير عن عائشة نحوه أيضا.
وبمجموع ما تقدم يظهر لك ما أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: نزلت في كتمان الشهادة فإنها لو كانت كذلك لم يشتد الأمر على الصحابة. وعلى كل حال فبعد هذه الأحاديث المصرحة بالنسخ والناسخ لم يبق مجال لمخالفتها، ومما يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين والسنن الأربع من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ". وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث نفسه به حاسبه الله الدنيا يخاف ويحزن ويشتد همه لا يناله من ذلك شئ كما هم بسوء ولم يعمل منه بشئ. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عنها نحوه، والأحاديث المتقدمة المصرحة بالنسخ تدفعه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله يقول يوم القيامة: إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم فأغفر لمن شئت وأعذب من شئت، وهو مدفوع بما تقدم.
قوله (بما أنزل إليه من ربه) أي بجميع ما أنزل الله (والمؤمنون) عطف على الرسول، وقوله (كل) أي من الرسول والمؤمنين (آمن الله) ويجوز أن يكون قوله (والمؤمنون) مبتدأ. وقوله (كل) مبتدأ ثان. وقوله (آمن بالله) خبر المبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر المبتدأ الأول، وأفرد الضمير في قوله (آمن بالله) مع رجوعه إلى كل المؤمنين، لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع كما اعتبر ذلك في قوله تعالى - وكل أتوه