الكشاف: تفرعن فلان: إذا عتا وتجبر. ومعنى قوله (يسومونكم) يولونكم، قاله أبو عبيدة، وقيل يذيقونكم ويلزمونكم إياه، وأصل السوم الدوام، ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي، ويقال سامه خطة خسف: إذا أولاه إياها. وقال في الكشاف: أصله من سام السلعة إذا طلبها، كأنه بمعنى يبغونكم سوء العذاب ويريدونكم عليه انتهى. وسوء العذاب: أشده، وهو صفة مصدر محذوف: أي يسومونكم سوما سوء العذاب، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا، وهذه الجملة في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ مقدر، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال: أي سائمين لكم. وقوله (يذبحون) وما بعده بدل من قوله (يسومونكم) وقال الفراء: إنه تفسير لما قبله وقرأه الجماعة بالتشديد، وقرأ ابن محيصن بالتخفيف. والذبح في الأصل: الشق، وهو فرى أوداج المذبوح والمراد بقوله تعالى (ويستحيون نساءكم) يتركونهن أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن، وإنما أمر بذبح الأبناء واستحياء البنات لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده، وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق على البنات. وقالت طائفة: أنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله (نساءكم) والأول أصح بشهادة السبب، ولا يخفي ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار. والإشارة بقوله (وفي ذلكم) إلى جملة الأمر. والبلاء يطلق تارة على الخبر، وتارة على الشر، فإن أريد به هنا الشر كانت الإشارة بقوله (وفي ذلكم بلاء) إلى ما حل بهم من النقمة بالذبح ونحوه، وإن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم الله عليهم بالإنجاء وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين. وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة، فرجح الجمهور الأول، ورجح الآخرون الآخر.
قال ابن جرير: وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء، وفي الخير أبلية إبلاء وبلاء، قال زهير:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم * وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو قال: فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده. وقوله (وإذ فرقنا) متعلق بما تقدم من قوله (اذكروا) وفرقنا: فلقنا، وأصل الفرق الفصل، ومنه فرق الشعر، وقرأ الزهري " فرقنا " بالتشديد، والباء في قوله (بكم) قيل هي بمعنى اللام: أي لكم، وقيل هي الباء السببية: أي فرقناه بسببكم، وقيل إن الجار والمجرور في محل الحال: أي فرقناه متلبسا بكم، والمراد ها هنا أن فرق البحر كان بهم: أي بسبب دخولهم فيه: أي لما صاروا بين الماءين صار الفرق بهم. وأصل البحر في اللغة: الاتساع، أطلق على البحر الذي هو مقابل البر لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج، ويطلق على الماء المالح، ومنه أبحر الماء: إذا ملح، قال نصيب:
وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني * إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب وقوله (فأنجيناكم) أي أخرجناكم منه (وأغرقنا آل فرعون) فيه. وقوله (وأنتم تنظرون) في محل نصب على الحال: أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم، وقيل معناه: وأنتم تنظرون: أي ينظر بعضكم إلى البعض الآخر من السالكين في البحر، وقيل نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون. والمراد بآل فرعون هنا هو وقومه وأتباعه. وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) قال: مضى القوم، وإنما يعني به أنتم. وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينة قال في قومه (اذكروا نعمتي) هي أيادي الله وأيامه. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: نعمة الله التي أنعم بها على بني