وكذلك المختلق والقارئ يقدر أن كلمة كذا بعد كذا انتهى. " وإن " في قوله (وإن هم إلا يظنون) نافية: أي ما هم.
والظن هو التردد الراجح بين طرفي الإعتقاد الغير الجازم كذا في القاموس، أي ما هم إلا يترددون بغير جزم ولا يقين، وقيل الظن هنا بمعنى الكذب، وقيل هو مجرد الحدس. لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأماني ويعتمدون على الظن الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره ولا يظفرون بسواه. والويل: الهلاك. وقال الفراء: الأصل في الويل وي: أي حزن كما تقول وي لفلان: أي حزن له، فوصلته العرب باللام، قال الخليل: ولم نسمع على بنائه إلا ويح، وويس، وويه، وويك، وويب، وكله متقارب في المعنى، وقد فرق بينها قوم وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء. والكتابة معروفة، والمراد: أنهم يكتبون الكتاب المحرف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله. وقوله (بأيديهم) تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله - ولا طائر يطير بجناحيه - وقوله - يقولون بأفواههم - وقال ابن السراج: هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم. وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم قوله (يكتبون الكتاب) فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك. والاشتراء: الاستبدال، وقد تقدم الكلام عليه، ووصفه بالقلة لكونه فانيا لا ثواب فيه، أو لكونه حراما لا تحل به البركة، فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله، لينالوا بهذه المعاصي المتكررة هذا الغرض النزير والعوض الحقير. وقوله (مما يكسبون) قيل من الرشا ونحوها، وقيل من المعاصي، وكرر الويل تغليظا عليهم وتعظيما لفعلهم وهتكا لأستارهم (وقالوا) أي اليهود (لن تمسنا النار) الآية. وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي بيانه. والمراد بقوله (قل أتخذتم عند الله عهدا) الإنكار عليهم لما صدر منهم من هذه الدعوى الباطلة أنها لن تمسهم النار إلا أياما معدودة: أي لم يتقدم لكم مع الله عهدا بهذا، ولا أسلفتم من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه الدعوى حتى يتعين الوفاء بذلك وعدم إخلاف العهد:
أي إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون. قال في الكشاف، و " أم " إما أن تكون معادلة بمعنى أي الأمرين كائن على سبيل التقرير لأن العلم واقع بكون أحدهما، ويجوز أن تكون منقطعة انتهى، وهذا توبيخ لهم شديد. قال الرازي في تفسيره: العهد في هذا الموضع يجري مجرى الوعد، وإنما سمى خبره سبحانه عهدا لأن خبره أوكد من العهود المؤكدة. وقوله (بلى) إثبات بعد النفي: أي بلى تمسكم لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياما معدودة. والسيئة المراد بها الجنس هنا، ومثله قوله تعالى - وجزاء سيئة سيئة مثلها - من يعمل سوءا يجز به - ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار، بل لا بد أن تكون سيئة محيطة به، قيل هي الشرك وقيل الكبيرة. وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار، ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقد قرأ نافع " خطيئاته " بالجمع، وقرأ الباقون بالإفراد، وقد تقدم تفسير الخلود.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب) قال لا يدرون ما فيه (وإن هم إلا يظنون) قال: وهم يجحدون نبوتك بالظن. وأخرج ابن جرير عنه قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله، وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله. وأخرج ابن جرير عن النخعي قال: