في الحاضر، فذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة ومحمد إلى أنه يجوز في الحضر والسفر. وقال الشافعي: لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف. قوله (أو جاء أحد منكم من الغائط) هو المكان المنخفض والمجئ منه كناية عن الحدث، والجمع الغيطان والأغواط، وكانت العرب تقصد هذا الصنف من المواضع لقضاء الحاجة تسترا عن أعين الناس، ثم سمى الحدث الخارج من الإنسان غائطا توسعا، ويدخل في الغائط جميع الأحداث الناقضة للوضوء. قوله (أو لامستم النساء) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر " لامستم " وقرأ حمزة والكسائي " لمستم " قيل المراد بها بما في القراءتين الجماع، وقيل المراد به مطلق المباشرة، وقيل إنه يجمع الأمرين جميعا. وقال محمد بن يزيد المبرد: الأول في اللغة أن يكون " لامستم " بمعنى قبلتم ونحوه، و " لمستم " بمعنى غشيتم.
واختلف العلماء في معنى ذلك على أقوال، فقالت فرقة: الملامسة هنا مختصة باليد دون الجماع، قالوا:
والجنب لا سبيل له إلى التيمم بل يغتسل أو يدع الصلاة حتى يجد الماء. وقد روى هذا عن عمرو بن الخطاب وابن مسعود. قال ابن عبد البر: لم يقل بقولهما في هذه المسألة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي، وحملة الآثار انتهى. وأيضا الأحاديث الصحيحة تدفعه وتبطله كحديث عمار وعمران بن حصين وأبي ذر في تيمم الجنب. وقالت طائفة: هو الجماع كما في قوله - ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن -، وقوله - وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن - وهو مروى عن علي وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حبان وأبي حنيفة. وقال مالك: الملامس بالجماع يتيمم، والملامس باليد يتيمم إذا التذ، فإن لمسها بغير شهوة فلا وضوء، وبه قال: أحمد وإسحاق. وقال الشافعي: إذا أفضى الرجل بشئ من بدنه إلى بدن المرأة سواء كان باليد أو غيرها من أعضاء الجسد انتقضت به الطهارة وإلا فلا. وحكاه القرطبي عن ابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة. وقال الأوزاعي: إذا كان اللمس باليد نقض الطهر، وإن كان بغير اليد لم ينقضه لقوله تعالى - فلمسوه بأيديهم - وقد احتجوا بحجج تزعم كل طائفة أن حجتها تدل على أن الملامسة المذكورة في الآية هي ما ذهبت إليه، وليس الأمر كذلك. فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في معنى الملامسة المذكورة في الآية، وعلى فرض أنها ظاهرة في الجماع، فقد ثبتت القراءة المروية عن حمزة والكسائي بلفظ " أو لمستم " وهي محتملة بلا شك ولا شبهة، ومع الاحتمال فلا تقوم الحجة بالمحتمل. وهذا الحكم تعم به البلوى ويثبت به التكليف العام، فلا يحل إثباته بمحتمل قد وقد وقع النزاع في مفهومه. وإذا عرفت هذا فقد ثبتت السنة الصحيحة بوجوب التيمم على من اجتنب ولم يجد الماء، فكان الجنب داخلا في الآية بهذا الدليل، وعلى فرض عدم دخوله فالسنة تكفي في ذلك. وأما وجوب الوضوء أو التيمم على من لمس المرأة بيده أو بشئ من بدنه فلا يصح القول به استدلالا بهذه الآية لما عرفت من الاحتمال. وأما ما استدلوا به من أنه صلى الله عليه وآله وسلم أتاه رجل فقال:
يا رسول الله ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها؟ وليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها فأنزل الله - أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين - أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث معاذ، قالوا: فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها، ولا يخفاك أنه لا دلالة بهذا الحديث على محل النزاع، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أمره بالوضوء ليأتي بالصلاة التي ذكرها الله سبحانه في هذه الآية، إذ لا صلاة إلا بوضوء. وأيضا فالحديث منقطع لأنه من رواية ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يلقه، وإذا عرفت هذا فالأصل البراءة عن هذا الحكم، فلا يثبت إلا بدليل خالص عن الشوائب الموجبة لقصوره عن الحجة. وأيضا قد ثبت عن عائشة من طرق أنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ ثم يقبل، ثم يصلي ولا يتوضأ ". وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة، رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة