والجملتان صفة لشيطان: أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله له وبين هذا القول الشنيع. والنصيب المفروض: هو المقطوع المقدر: أي لأجعلن قطعة مقدرة من عباد الله تحت غوايتي وهو وفي جانب إضلالي حتى أخرجهم من عبادة الله إلى الكفر به. قوله (ولأضلنهم) اللام جواب قسم محذوف. والإضلال: الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية، وهكذا اللام في قوله (ولأمنينهم ولآمرنهم) والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان: هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته. قوله (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) أي ولآمرنهم بتبتك آذان الأنعام:
أي تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري. والبتك: القطع، ومنه سيف باتك، يقال بتكه وبتكه مخففا ومشددا، ومنه قول زهير: * طارت وفي كفه من ريشها بتك * أي قطع. وقد فعل الكفار ذلك امتثالا لأمر الشيطان واتباعا لرسمه، فشقوا آذان البحائر والسوائب كما ذلك معروف. قوله (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) أي ولآمرنهم بتغيير خلق الله فليغيرنه بموجب أمري لهم. واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو؟ فقالت طائفة: هو الخصاء وفقء الأعين وقطع الآذان، وقال آخرون: إن المراد بهذا التغيير هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار والنار ونحوها من المخلوقات لما خلقها له، فغيره الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، وبه قال الزجاج، وقيل المراد بهذا التغيير تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملا شموليا أو بدليا.
وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره، وكره ذلك آخرون، وأما خصاء بني آدم فحرام، وقد كره قوم شراء الخصي. قال القرطبي: ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود، قاله أبو عمر ابن عبد البر (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله) باتباعه وامتثال ما يأمر به من دون اتباع لما أمر الله به ولا امتثال له (فقد خسر خسرانا مبينا) أي واضحا ظاهرا (يعدهم) المواعيد الباطلة (ويمينهم) الأماني العاطلة (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) أي وما يعدهم الشيطان بما يوقعه في خواطرهم من الوساوس الفارغة (إلا غرورا) يغرهم به ويظهر لهم فيه النفع وهو ضرر محض، وانتصاب غرورا على أنه نعت لمصدر محذوف: أي وعدا غرورا أو على أنه مفعول ثان أو مصدر على غير لفظه. قال ابن عرفة: الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه وله باطن مكروه، وهذه الجملة اعتراضية. قوله (أولئك) إشارة إلى أولياء الشيطان وهذا مبتدأ وخبره الجملة وهي قوله (مأواهم جهنم). قوله (محيصا) أي معدلا، من حاص يحيص، وقيل ملجأ ومخلصا، والمحيص اسم مكان، وقيل مصدر. قوله (والذين آمنوا) الخ، جعل هذا الوعد للذين آمنوا مقترنا بالوعيد المتقدم للكافرين. قوله (وعد الله حقا) قال في الكشاف مصدران: الأول مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره، ووجهه أن الأول مؤكد لمضمون الجملة الاسمية ومضمونها وعد، والثاني مؤكد لغيره: أي حق ذلك حقا. قوله (ومن أصدق من الله قيلا) هذه الجملة مؤكدة لما قبلها، والقيل مصدر قال كالقول: أي لا أجد أصدق قولا من الله عز وجل، وقيل إن قيلا اسم لا مصدر، وإنه منتصب على التمييز.
وقد أخرج الترمذي من حديث علي أنه قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قال الترمذي: حسن غريب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك في قوله (إن يدعون من دونه إلا إناثا) قال: اللات والعزة ومناة كلها مؤنثة. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن المنذر وابن أبي حاتم والضياء في المختارة عن أبي بن كعب في الآية قال: مع كل صنم جنية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (إن يدعون من دونه إلا إناثا) قال: موتي وأخرج مثله عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن. وأخرج مثله أيضا عبد بن حميد