صابروا الأنفس عن شهواتها، وقيل صابروا الوعد الذي وعدتم ولا تيأسوا، والقول الأول هو المعنى العربي، ومنه قول عنترة:
فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا * ولا كافحوا مثل الذين نكافح أي صابروا العدو في الحرب. قوله (ورابطوا) أي أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها كما يربطها أعداؤكم وهذا قول جمهور المفسرين. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة، ولم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزو يرابط فيه، وسيأتي ذكر من خرج عنه هذا، والرباط اللغوي هو الأول، ولا ينافيه تسميته صلى الله عليه وآله وسلم لغيره رباطا كما سيأتي. ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول، وعلى انتظار الصلاة. قال الخليل: الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة هكذا قال، وهو من أئمة اللغة. وحكى ابن فارس عن الشيباني أنه قال: يقال ماء مترابط دائم لا يبرح، وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور. قوله (واتقوا الله) فلا تخالفوا ما شرعه لكم (لعلكم تفلحون) أي تكونون من جملة الفائزين بكل مطلوب، وهم المفلحون.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله (لا يغرنك تقلب الذين كفروا) تقلب ليلهم ونهارهم وما يجري عليهم من النعم، قال عكرمة: قال ابن عباس وبئس المهاد: أي بئس المنزل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله (تقلبهم في البلاد) قال ضربهم في البلاد. وأخرج عبد ابن حميد والبخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله (وما عند الله خير للأبرار) قال إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا. وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا، والأول أصح قال السيوطي. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد (خير للأبرار) لمن يطيع الله. وأخرج النسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال: لما مات النجاشي قال صلى الله عليه وآله وسلم: صلوا عليه قالوا يا رسول الله نصلي على عبد حبشي؟ فأنزل الله (وإن من أهل الكتاب) الآية. وأخرج ابن جرير عن جابر مرفوعا أن المنافقين قالوا: انظروا إلى هذا يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على علج نصراني، فنزلت. وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير أنها نزلت في النجاشي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال:
هم مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد والذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن المبارك وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ما قدمنا ذكره. وأخرج ابن مردويه عنه عن أبي هريرة قال: أما إنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزو يرابطون فيه، ولكنها نزلت في قوم يعمرون لمساجد يصلون الصلوات في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها. وقد ثبت في الصحيح وغيره من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطأ إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: اصبروا على دينكم وصابروا، الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوى وعدوكم. وقد روى من تفاسير السلف غير هذا في سر الصبر على نوع من أنواع الطاعات والمصابرة على نوع آخر، ولا تقوم بذلك حجة، فالواجب الرجوع إلى المدلول اللغوي وقد قدمناه.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرباط وفيها التصريح بأنه الرباط في سبيل الله، وهو يرد ما قاله أبو سلمة بن