عبد الرحمن، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ندب إلى الرباط في سبيل الله وهو الجهاد فيحمل ما في الآية عليه، وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمى حراسة جيش المسلمين رباطا، فأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أجر المرابط فقال: من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى.
وقد ورد في فضل هذه العشر الآيات التي في آخر هذه السورة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أخرجه ابن السني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة ". وفي إسناده مظاهر بن أسلم، وهو ضعيف. وقد تقدم من حديث ابن عباس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ هذه العشر الآيات لما استيقظ. وكذلك تقدم في غير الصحيحين من رواية صفوان بن المعطل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج الدارمي عن عثمان بن عفان قال: " من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة ".
سورة النساء هي مدنية كلها. قال القرطبي: إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي، وهي قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) على ما سيأتي إن شاء الله، قال النقاش: وقيل نزلت عند هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة، وعلى ما تقدم عن بعض أهل أعلم أن قوله تعالى (يا أيها الناس) حيثما وقع، فإنه مكي يلزم أن يكون صدر هذه السورة مكيا، وبه قال علقمة وغيره. وقال النحاس: هذه الآية مكية. قال القرطبي: والصحيح الأول، فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت: ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يعني قد بنى بها، ولا خلاف بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما بنى بعائشة بالمدينة، ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها. قال: وأما من قال (يا أيها الناس) مكي حيث وقع فليس بصحيح، فإن البقرة مدنية وفيها (يا أيها الناس) في موضعين. وقد أخرج ابن الضريس في فضائله والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: نزلت سورة النساء بالمدينة، وفي إسناده العوفي وهو ضعيف، وكذا أخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وزيد ابن ثابت، وأخرجه ابن المنذر عن قتادة.
وقد ورد في فضل هذه السورة ما أخرجه الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن مسعود قال: إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) الآية، و (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) الآية، و (إن الله لا يغفر أن يشرك به) الآية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) الآية، ثم قال: هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه، وقد اختلف في ذلك. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن ابن مسعود قال: خمس آيات من النساء هن أحب إلى من الدنيا جميعا (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) الآية (وإن تك حسنة يضاعفها) الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به) الآية (من يعمل سوءا أو يظلم نفسه)