ثمن الجنة، والحمد ثمن كل نعمة، ويتقاسمون الجنة بأعمالهم ". وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ". وأخرج ابن ماجة في سننه عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثهم أن عبدا من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فلم يدر الملكان كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء فقال: يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها. قال الله وهو أعلم بما قال عبده: ماذا قال عبدي؟ قالا يا رب إنه قال: لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: أكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني وأجزيه بها ". وأخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها ".
(رب العالمين) قال في الصحاح: الرب اسم من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة، وقد قالوه في الجاهلية للملك. وقال في الكشاف: الرب المالك. ومنه قول صفوان لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، ثم ذكر نحو كلام الصحاح. قال القرطبي في تفسيره: " والرب السيد، ومنه قوله تعالى - اذكرني عند ربك - وفي الحديث " أن تلد الأمة ربها "، والرب: المصلح والمدبر والجابر والقائم قال: والرب المعبود. ومنه قوله الشاعر:
أرب يبول الثعلبان برأسه * لقد حديث هان من بالت عليه الثعالب والعالمين: جمع العالم، وهو كل موجود سوى الله تعالى، قاله قتادة. وقيل أهل كل زمان عالم، قاله الحسين بن الفضل. وقال ابن عباس: العالمون الجن والإنس. وقال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عمن يعقل وهم أربعة أمم:
الإنس، والجن، والملائكة، والشياطين. ولا يقال للبهائم عالم، لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل. حكى هذه الأقوال القرطبي في تفسيره وذكر أدلتها وقال: إن القول الأول أصح هذه الأقوال لأنه شامل لكل مخلوق وموجود، دليله قوله تعالى - قال فرعون وما رب العالمين؟ قال رب السماوات والأرض وما بينهما - وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده، كذا قال الزجاج، وقال: العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة انتهى. وعلى هذا يكون جمعه على هذه الصيغة المختصة بالعقلاء تغليبا للعقلاء على غيرهم. وقال في الكشاف: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم. وقد أخرج ما تقدم من قول ابن عباس عنه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه. وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد. وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير. وأخرج ابن جبير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى - رب العالمين - قال: إله الخلق كله السماوات كلهن ومن فيهن. والأرضون كلهن ومن فيهن ومن بينهن مما يعلم ومما لا يعلم.
(الرحمن الرحيم) قد تقدم تفسيرهما. قال القرطبي: وصف نفسه تعالى بعد رب العالمين بأنه الرحمن الرحيم، لأنه لما كان في اتصافه برب العالمين ترهيب قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع كما قال تعالى - نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم - وقال - غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب -. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد " انتهى. وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله - الحمد لله رب العالمين - قال: ما وصف من خلقه، وفي قوله الرحمن الرحيم، قال: مدح نفسه.