أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت: لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها، فقالوا:
سحر محمد الجبال، فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لا يسمع ذلك منها ". وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة، ومحا عنه أربعة آلاف سيئة. ورفع له أربعة آلاف درجة ". وأخرج الخطيب في الجامع عن أبي جعفر محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب ". وهذه الأحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها والكلام عليها بما يتبين بعد البحث إن شاء الله. وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة قد بينها الشارع منها عند الوضوء. وعند الذبيحة، وعند الأكل، وعند الجماع وغير ذلك.
(الحمد لله) الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، وبقيد الاختيار فارق المدح، فإنه يكون على الجميل وإن لم يكن الممدوح مختارا كمدح الرجل على جماله وقوته وشجاعته. وقال صاحب الكشاف: إنهما أخوان، والحمد أخص من الشكر موردا وأعم منه متعلقا. فمورد الحمد اللسان فقط، ومتعلقه النعمة وغيرها. ومورد الشكر اللسان والجنان والأركان ومتعلقه النعمة. وقيل إن مورد الحمد كمورد الشكر لأن كل ثناء باللسان لا يكون من صميم القلب مع موافقة الجوارح ليس بحمد بل سخرية واستهزاء. وأجيب بأن اعتبار موافقة القلب والجوارح في الحمد لا يستلزم أن يكون موردا له بل شرطا - وفرق بين الشرط والشطر وتعريفه لاستغراق أفراد الحمد وأنها مختصة بالرب سبحانه على معنى أن حمد غيره لا اعتداد به، لأن المنعم هو الله عز وجل: أو على أن حمده هو الفرد الكامل فيكون الحصر ادعائيا. ورجح صاحب الكشاف أن التعريف هنا هو تعريف الجنس لا الاستغراق، والصواب ما ذكرناه. وقد جاء في الحديث " اللهم لك الحمد كله " وهو مرتفع بالابتداء وخبره الظرف وهو لله.
وأصله النصب على المصدرية بإضمار فعله كسائر المصادر التي تنصبها العرب، فعدل عنه إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبات المستفاد من الجمل الاسمية دون الحدوث والتجديد اللذين تفيدهما الجمل الفعلية واللام الداخلة على الاسم الشريف هي لأم الاختصاص. قال ابن جرير: الحمد ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، فكأنه قال: " قولوا الحمد لله، ثم رجح اتحاد الحمد والشكر مستدلا على ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد والشكر مكان الآخر. قال ابن كثير وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية.
ويكون بالجنان واللسان والأركان انتهى. ولا يخفى أن المرجع في هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين، فإن ذلك لا يرد على ابن جرير، ولا تقوم به الحجة، هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة