اليوم الذي انخذلوا فيه عن المؤمنين إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان عند من كان يظن أنهم مسلمون، لأنهم قد بينوا حالهم وهتكوا أستارهم وكشفوا عن نفاقهم إذ ذاك، وقيل المعنى أنهم لأهل الكفر يومئذ أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان. قوله (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما تقدمها: أي أنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وذكر الأفواه للتأكيد، مثل قوله - يطير بجناحيه -. قوله (الذين قالوا لإخوانهم) الخ: أي هم الذين قالوا لإخوانهم على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون بدلا من واو يكتمون، أو منصوبا على الذم، أو وصف للذين نافقوا. وقد تقدم معنى (قالوا لإخوانهم) أي قالوا لهم ذلك، والحال أن هؤلاء القائلين قد قعدوا عن القتال (لو أطاعونا) بترك الخروج من المدينة ما قتلوا، فرد الله ذلك عليهم بقوله (قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) والدرء: الدفع، أي لا ينفع الحذر من القدر، فإن المقتول يقتل بأجله.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (أو لما أصابتكم مصيبة) الآية. يقول: إنكم قد أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد، وقد بين هذا عكرمة. فأخرج ابن جرير عنه قال:
قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا من أين هذا؟ ما كان للكفار أن يقتلوا منا، فلما رأى الله ما قالوا من ذلك، قال الله: هم بالأسرى الذين أخذتم يوم بدر. فردهم الله بذلك وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة، ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن علي قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن تقبل منهم عدتهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس فذكر ذلك لهم، فقالوا: يا رسول الله عشائرنا وإخواننا لا بل نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم، فليس في ذلك ما نكره، فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر. وهذا الحديث في سنن الترمذي والنسائي هو من طريق أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان بن سعيد عن هشام بن حسان عن محمد ابن سيرين عن عبيدة عن علي: قال الترمذي بعد إخراجه: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة.
وروى أبو أسامة عن هشام نحوه. وروى عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وإسناد ابن جرير لهذا الحديث هكذا: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن عون ح قال سنيد وهو حسين، وحدثني حجاج عن جرير عن محمد عن عبيدة عن علي فذكره. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا قراد بن نوح، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا سماك الحنفي أبو زميل حدثني ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفر أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم عنه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله عز وجل (أو لما أصابتكم مصيبة) الآية. وأخرجه الإمام أحمد من طريق عبد الرحمن بن غزوان وهو قراد بن نوح به، ولكن بأطول منه، ولكنه يشكل على حديث التخيير السابق ما نزل من المعاتبة منه سبحانه وتعالى لمن أخذ الفداء بقوله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " وما روى من بكائه صلى الله عليه وآله وسلم هو وأبو بكر ندما على أخذ الفداء، ولو كان أخذ ذلك