فقط، وظاهر الأمر الوجوب، وهو مجمع على ذلك. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وتفاصيل التيمم وصفاته مبينة في السنة المطهرة ومقالات أهل العلم مدونة في كتب الفقه، قوله (صعيدا) الصعيد: وجه الأرض سواء كان عليه تراب أو لم يكن، قاله الخليل وابن الأعرابي والزجاج. قال الزجاج: لا أعلم فيه خلافا بين أهل اللغة، قال الله تعالى - وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا - أي أرضا غليظة لا تنبت شيئا، وقال تعالى - فتصبح صعيدا زلقا - وقال ذو الرمة: كأنه بالضحى يرمي الصعيد به * ونابه في عظام الرأس خرطوم وإنما سمى صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض، وجمع الصعيد صعدات.
وقد اختلف أهل العلم فيما يجزئ التيمم به، فقال مالك وأبو حنيفة والثوري والطبري: إنه يجزئ بوجه الأرض كله ترابا كان أو رملا أو حجارة، وحملوا قوله (طيبا) على الطاهر الذي ليس بنجس. وقال الشافعي وأحمد وأصحابهما: أنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب فقط، واستدلوا بقوله تعالى (صعيدا زلقا) أي ترابا أملس طيبا، وكذلك استدلوا بقوله (طيبا) قالوا: والطيب التراب الذي ينبت. وقد تنوزع في معنى الطيب، فقيل الطاهر كما تقدم، وقيل المنبت كما هنا، وقيل الحلال. والمحتمل لا تقوم به حجة ولو لم يوجد في الشئ الذي يتيمم به إلا ما في الكتاب العزيز، لكان الحق ما قاله الأولون، لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فضلنا الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء " وفي لفظ " وجعل ترابها لنا طهورا " فهذا مبين لمعنى الصعيد المذكور في الآية، أو مخصص لعمومه، أو مقيد لإطلاقه، ويؤيد هذا ما حكاه ابن فارس عن كتاب الخليل: تيمم بالصعيد: أي أخذ من غباره انتهى، والحجر الصلد لا غبار له. قوله (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) هذا المسح مطلق يتناول المسح بضربة أو بضربتين، ويتناول المسح إلى المرفقين أو إلى الرسغين، وقد بينته السنة بيانا شافيا، وقد جمعنا بين ما ورد في المسح بضربة وبضربتين وما ورد في المسح إلى الرسغ وإلى المرفقين في شرحنا للمنتقي وغيره من مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. قوله (إن الله كان عفوا غفورا) أي عفا عنكم وغفر لكم تقصيركم ورحمكم بالترخيص لكم والتوسعة عليكم.
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والضياء في المختارة عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه: أن الذي صلى بهم عبد الرحمن. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال:
نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد، صنع لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا، ثم صلى بهم المغرب فقرأ - يا أيها الكافرون - حتى ختمها فقال: ليس لي دين وليس لكم دين، فنزلت. وأخرج عبد ابن حميد وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن عباس في هذه الآية قال: نسختها - أنما الخمر والميسر - الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: لم يعن بها الخمر إنما عنى بها سكر النوم. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس (وأنتم سكارى) قال: النعاس. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي. قوله (ولا جنبا إلا عابري سبيل) قال: نزلت في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي. وفي لفظ قال: لا يقرب الصلاة إلا أن يكون