كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشر رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث فقال:
أو كلما قال الرجال قصيدة * أصموا فقالوا ابن الأبيرق قالها قال: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة: أي حمولة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن رافع جملا من الدرمك، فجعله في مشربة، وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما، فعدى عليه من تحت الليل فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي تعلم أن قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا، قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا نارا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل فوالله ما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا بن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سأنظر في ذلك، فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت، قال قتادة: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال لي: يا بن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الله: المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) بني أبيرق (واستغفر الله) أي مما قلت لقتادة (إن الله كان غفورا رحيما. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسم) إلى قوله (ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) أي لو استغفروا الله لغفر لهم (ومن يكسب إثما إلى قوله (فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) قولهم للبيد (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك) يعني أسير بن عروة، فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة، قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد غشي في الجاهلية: أي كبر، وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله - ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى - إلى قوله