وقيل هو الوجوب، فإن الله أوجب على الأمم الصيام، وقيل هو الصفة: أي ترك الأكل والشرب ونحوهما في وقت، فعلى الأول معناه: أن الله كتب على هذه الأمة صوم رمضان كما كتبه على الذين من قبلهم، وعلى الثاني:
أن الله أوجب على هذه الأمة الصيام كما أوجبه على الذين من قبلهم، وعلى الثالث: أن الله سبحانه أوجب على هذه الأمة الإمساك عن المفطرات كما أوجبه على الذين من قبلهم. وقوله تعالى (لعلكم تتقون) بالمحافظة عليها، وقيل تتقون المعاصي بسبب هذه العبادة، لأنها تكسر الشهوة وتضعف دواعي المعاصي، كما ورد في الحديث أنه جنة وأنه وجاء. وقوله (أياما) منتصب على أنه مفعول ثان لقوله (كتب) قاله الفراء: وقيل إنه منتصب على أنه ظرف: أي كتب عليكم الصيام في أيام. وقوله (معدودات) أي معينات بعدد معلوم، ويحتمل أن يكون في هذا الجمع لكونه من جموع القلة إشارة إلى تقليل الأيام. وقوله (فمن كان منكم مريضا) قيل للمريض حالتان:
إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة، وبهذا قال الجمهور وقوله (على سفر) اختلف أهل العلم في السفر المبيح للإفطار، فقيل مسافة قصر الصلاة، والخلاف في قدرها معروف، وبه قال الجمهور، وقال غيرهم بمقادير لا دليل عليها. والحق أن ما صدق عليه مسمى السفر فهو الذي يباح عنده الفطر، وهكذا ما صدق عليه مسمى المرض فهو الذي يباح عنده الفطر. وقد وقع الإجماع على الفطر في سفر الطاعة. واختلفوا في الأسفار المباحة، والحق أن الرخصة ثابتة فيه، وكذا اختلفوا في سفر المعصية. وقوله (فعدة) أي فعليه عدة، أو فالحكم عدة، أو فالواجب عدة، والعدة فعلة من العدد، وهو بمعنى المعدود.
وقوله (من أيام أخر) قال سيبويه: ولم ينصرف لأنه معدول به عن الآخر، لأن سبيل هذا الباب أن يأتي بالألف واللام. وقال الكسائي: هو معدول به عن آخر، وقيل إنه جمع أخرى، وليس في الآية ما يدل على وجوب التتابع في القضاء. قوله (وعلى الذين يطيقونه) قراءة الجمهور بكسر الطاء وسكون الياء، وأصله يطوقونه نقلت الكسرة إلى الطاء، وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وقرأ حميد على الأصل من غير إعلال. وقرأ ابن عباس بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو: أي يكلفونه. وروى ابن الأنباري عن ابن عباس " يطيقونه " بفتح الياء وتشديد الطاء والياء مفتوحتين بمعنى يطيقونه. وروى عن عائشة وابن عباس وعمرو بن دينار وطاوس أنهم قرءوا " يطيقونه " بفتح الياء وتشديد الطاء مفتوحة. وقرأ أهل المدينة والشام (فدية طعام) مضافا. وقرءوا أيضا (مساكين) وقرأ ابن عباس (طعام مسكين) وهي قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي. وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية، هل هي محكمة أو منسوخة، فقيل إنها منسوخة، وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام لأنه شق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم وهو يطيقه، ثم نسخ ذلك، وهذا قول الجمهور. وروى عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ، وأنها رخصة للشيوخ والعجائز خاصة إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة، وهذا يناسب قراءة التشديد: أي يكلفونه كما مر. والناسخ لهذه الآية عند الجمهور قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). وقد اختلفوا في مقدار الفدية، فقيل كل يوم صاع من غير البر، ونصف صاع منه، وقيل مد فقط. وقوله (فمن تطوع خيرا فهو خير له). قال ابن شهاب: معناه من أراد الإطعام مع الصوم. وقال مجاهد معناه: من زاد في الإطعام على المد، وقيل من أطعم مع السكين مسكينا آخر. وقرأ عيسى بن عمرو ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي " يطوع " مشددا مع جزم الفعل على معنى يتطوع، وقرأ الباقون بتخفيف الطاء على أنه فعل ماض. وقوله (وأن تصوموا خير لكم) معناه: أن الصيام خير لهم من الإفطار مع الفدية، وكان هذا قبل النسخ، وقيل معناه: وأن تصوموا في السفر والمرض غير الشاق.