والخطاب لكل من يصلح له أو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (إلا الذين تابوا) استثناء من المنافقين: أي إلا الذين تابوا عن النفاق (وأصلحوا) ما أفسدوا من أحوالهم (وأخلصوا دينهم لله) أي جعلوه خالصا له غير مشوب بطاعة غيره. والاعتصام بالله: التمسك به والوثوق بوعده، والإشارة بقوله (أولئك) إلى الذين تابوا واتصفوا بالصفات السابقة. قوله (مع المؤمنين) قال الفراء: أي من المؤمنين يعني الذين لم يصدر منهم نفاق أصلا. قال القتيبي: حاد عن كلامهم غضبا عليهم فقال (فأولئك مع المؤمنين) ولم يقل هم المؤمنون انتهى. والظاهر أن معنى مع معتبر هنا: أي فأولئك مصاحبون للمؤمنين في أحكام الدنيا والآخرة. ثم بين ما أعد الله للمؤمنين الذين هؤلاء معهم فقال (وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما) وحذفت الياء من يؤت في الخط كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها، ومثله - يوم يدع الداع - وسندع الزبانية - ويوم يناد المناد - ونحوها فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين. قوله (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) هذه الجملة متضمنة لبيان أنه لا غرض له سبحانه في التعذيب إلا مجرد المجازاة للعصاة. والمعنى: أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم، فإن ذلك لا يزيد في ملكه كما أن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه (وكان الله شاكرا عليما) أي يشكر عباده على طاعته فيثيبهم عليها ويتقبلها منهم. والشكر في اللغة: الظهور، يقال دابة شكور: إذا ظهر من سمنها فوق ما تعطي من العلف.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله (إن المنافقين يخادعون الله) الآية، قال: يلقى على مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنين بنورهم فتلك خديعة الله إياهم. وأخرج ابن جرير عن السدى نحوه. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير نحوه أيضا، ولا أدري من أين جاء لهم هذا التفسير، فإن مثله لا ينقل إلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال: نزلت في عبد الله بن أبي وأبي عامر بن النعمان. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة وصف صلاة المنافق، وأنه يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله (مذبذبين بين ذلك) قال: هم المنافقون (لا إلى هؤلاء) يقول: لا إلى أصحاب محمد (ولا إلى هؤلاء) اليهود، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن مثل المنافق مثل الشاة الغائرة بين الغنمين تغير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة فلا تدري أيهما تتبع؟ ". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) قال: إن لله السلطان على خلقه ولكنه يقول عذرا مبينا. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال " كل سلطان في القرآن فهو حجة " والله سبحانه أعلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قال: في توابيت من حديد مقفلة عليهم، وفي لفظ مبهمة عليهم: أي مغلقة لا يهتدي لمكان فتحها. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه. وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود نحوه أيضا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم) الآية، قال: إن الله لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا.