(لو) حرف امتناع، وأن مصدرية، أو تفسيرية، لأن (كتبنا) في معنى أمرنا. والمعنى: أن الله سبحانه لو كتب القتل والخروج من الديار على هؤلاء الموجودين من اليهود ما فعله إلا القليل منهم، أو لو كتب ذلك على المسلمين ما فعله إلا القليل منهم، والضمير في قوله (فعلوه) راجع إلى المكتوب الذي دل عليه كتبنا، أو إلى القتل والخروج المدلول عليهما بالفعلين، وتوحيد الضمير في مثل هذا قد قدمنا وجهه. قوله (إلا قليل) قرأه الجمهور بالرفع على البدل. وقرأ عبد الله بن عامر وعيسى بن عمر (إلا قليلا) بالنصب على الاستثناء، وكذا هو في مصاحف أهل الشام، والرفع أجود عند النحاة. قوله (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) من اتباع الشرع والانقياد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لكان) ذلك (خيرا لهم) في الدنيا والآخرة، (وأشد تثبيتا) لأقدامهم على الحق فلا يضطربون في أمر دينهم (وإذن) أي وقت فعلهم لما يوعظون به (لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما) لا عوج فيه ليصلوا إلى الخير الذي يناله من امتثل ما أمر به وانقاد لمن يدعوه إلى الحق. قوله (ومن يطع الله والرسول) كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول، والإشارة بقوله (فأولئك) إلى المطيعين كما تفيده من (مع الذين أنعم الله عليهم) بدخول الجنة، والوصول إلى ما أعد الله لهم. والصديق المبالغ في الصدق كما تفيده الصيغة، وقيل هم فضلاء أتباع الأنبياء. والشهداء: من ثبتت لهم الشهادة، والصالحين: أهل الأعمال الصالحة. والرفيق مأخوذ من الرفق، وهو لين الجانب، والمراد به المصاحب لارتفاقك بصحبته، ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض، وهو منتصب على التمييز أو الحال كما قال الأخفش.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم) هم يهود كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه. وقد روى من طرق أن جماعة من الصحابة قالوا: لما نزلت الآية لو فعل ربنا لفعلنا. أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن. وأخرجه ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير. وأخرجه أيضا عن شريح بن عبيد. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) الآية. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحوه.