إنها كانت حراما ولم يتعبد الله الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم فحرمها وتعبدهم بذلك انتهى. وكلا الجمعين حسن.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال: بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم فقال (وارزق أهله من الثمرات) نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري. وأخرج نحوه أيضا الأزرقي عن بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم. وقد أخرج الأزرقي نحوها مرفوعا من طريق محمد بن المنكدر. وأخرج أيضا عن محمد بن كعب القرظي قال: دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفار ولم يدع لهم بشئ، قال الله (ومن كفر فأمتعه) الآية. وأخرج نحوه سفيان بن عيينة عن مجاهد. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (من آمن منهم بالله) قال: كأن إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس، فأنزل الله (ومن كفر) أيضا فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أخلق خلقا لا أرزقهم أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار، ثم قرأ ابن عباس - كلا نمد هؤلاء وهؤلاء - الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: قال أبي بن كعب في قوله (ومن كفر) أن هذا من قول الرب. وقال ابن عباس: هذا من قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: القواعد أساس البيت. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وغيرهم عن سعيد بن جبير قصة مطولة وآخرها في بناء البيت، قال:
فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم). وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد) قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك. وقد أكثر المفسرون في تفسير هذه الآية من نقل أقوال السلف في كيفية بناء البيت، ومن أي أحجار الأرض بنى، وفي أي زمان عرف، ومن حجه؟ وما ورد فيه من الأدلة الدالة على فضله أو فضل بعضه كالحجر الأسود. وفي الدر المنثور من ذلك ما لم يكن في غيره فليرجع إليه، وفي تفسير ابن كثير بعض من ذلك، ولما لم يكن ما ذكروه متعلقا بالتفسير لم نذكره. وأخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية (ربنا واجعلنا مسلمين لك) قال: كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم، قال: مخلصين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله (ومن ذريتنا) قال: يعنيان العرب. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال إبراهيم رب أرنا مناسكنا، فأتاه جبريل فأتى به البيت فقال: ارفع القواعد، فرفع القواعد وأتم البنيان، ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به نحو مني، فلما كان عند العقبة فإذا إبليس قائم عند الشجرة، فقال: كبر وارمه، فكبر ورماه، فذهب إبليس حتى أتى الجمرة الوسطى ففعل به إبراهيم كما فعل في الأولى، ثم كذلك في الجمرة الثالثة، ثم أخذ جبريل بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام فقال: هذا المشعر الحرام، ثم ذهب حتى أتى به عرفات، قال:
وقد عرفت ما أريتك؟ قالها ثلاثا، قال: نعم، قال: فأذن في الناس بالحج، قال: وكيف أؤذن؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات، فأجاب العباد: لبيك اللهم لبيك، فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج. وأخرج ابن جرير من طريق ابن المسيب عن علي قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا: أبرزها لنا علمناها، فبعث الله جبريل فحج به. وفي الباب آثار كثيرة عن السلف من الصحابة ومن بعدهم تتضمن أن جبريل أرى إبراهيم المناسك، وفي أكثرها أن الشيطان تعرض له كما تقدم عن