باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا، فإنهم كانوا يربون إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في المال مقدارا يتراضون عليه، ثم يزيدون في أجل الدين، فكانوا يفعلون ذلك مرة بعد مرة حتى يأخذوا المربى أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء، وأضعافا حال، ومضاعفة نعت له، وفيه إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام، والمبالغة في هذه العبارة تفيد تأكيد التوبيخ. قوله (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) فيه الإرشاد إلى تجنب ما يفعله الكفار في معاملاتهم. قال كثير من المفسرين: وفيه أنه يكفر من استحل الربا، وقيل معناه: اتقوا الربا الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار وإنما خص الربا في هذه الآية لأنه الذي توعد الله عليه بالحرب منه لفاعله. وقوله (وأطيعوا الله والرسول) حذف المتعلق مشعر بالتعميم: أي في كل أمر ونهى (لعلكم ترحمون) أي راجلين الرحمة من الله عز وجل. وقوله (وسارعوا) عطف على أطيعوا، وقرأ نافع وابن عامر (سارعوا) بغير واو، وكذلك في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام، وقرأ الباقون بالواو. قال أبو علي: كلا الأمرين سائغ مستقيم، والمسارعة: المبادرة، وفي الآية حذف، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة من الطاعات. وقوله (عرضها السماوات والأرض) أي عرضها كعرض السماوات والأرض، ومثله الآية الأخرى - عرضها كعرض السماء والأرض - وقد اختلف في معنى ذلك، فذهب الجمهور إلى أنها تقرن السماوات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة، ونبه بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض، وقيل إن هذا الكلام جاء على نهج كلام العرب من الاستعارة دون الحقيقة، وذلك أنها ما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى، حسن التعبير عنها بعرض السماوات والأرض مبالغة لأنهما أوسع مخلوقات الله سبحانه فيما يعلمه عباده، ولم يقصد بذلك التحديد. والسراء: اليسر، والضراء: العسر. وقد تقدم تفسيرهما - وقيل السراء: الرخاء، والضراء: الشدة، وهو مثل الأول، وقيل السراء في الحياة، والضراء بعد الموت. قوله (والكاظمين الغيظ) يقال كظم غيظه: أي سكت عليه ولم يظهره، ومنه كظمت السقاء: أي ملأته. والكظامة: ما يسد به مجرى الماء، وكظم البعير جرته: إذا ردها في جوفه، وهو عطف على الموصول الذي قبله. قوله (والعافين عن الناس) أي التاركين عقوبة من أذنب إليهم واستحق المؤاخذة، وذلك من أجل ضروب الخير. وظاهره العفو عن الناس سواء كانوا من المماليك أم لا. وقال الزجاج وغيره: المراد بهم المماليك.
واللام في المحسنين يجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه كل محسن من هؤلاء وغيرهم، ويجوز أن تكون للعهد فيختص بهؤلاء. والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السياق فيدخل تحته كل من صدر منه مسمى الإحسان:
أي إحسان كان. قوله (والذين إذا فعلوا فاحشة) هذا مبتدأ وخبره (أولئك) وقيل معطوف على المتقين. والأول أولى، وهؤلاء هم صنف دون الصنف الأول ملحقين بهم وهم التوابون، وسيأتي ذكر سبب نزولها، والفاحشة وصف لموصوف محذوف: أي فعلة فاحشة وهي تطلق على كل معصية. وقد كثر اختصاصها بالزنا. وقوله (أو ظلموا أنفسهم) أي باقتراف ذنب من الذنوب، وقيل أو بمعنى الواو. والمراد ما ذكر، وقيل الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة، وقيل غير ذلك. قوله (ذكروا الله) أي بألسنتهم أو أخطروه في قلوبهم أو ذكروا وعده ووعيده (فاستغفروا لذنوبهم) أي طلبوا المغفرة لها من الله سبحانه، وتفسيره بالتوبة خلاف معناه لغة، وفي الاستفهام بقوله (ومن يغفر الذنوب إلا الله) من الإنكار مع ما يتضمنه من الدلالة على أنه المختص بذلك سبحانه دون غيره: أي لا يغفر جنس الذنوب أحد إلا الله، وفيه ترغيب لطلب المغفرة منه سبحانه وتنشيط للمذنبين أن يقفوا في مواقف الخضوع والتذلل، وهذه الجملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه. وقوله (ولم يصروا