قوله (ذائقة) من الذوق، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
من لم يمت غبطة يمت هرما * الموت كأس والمرء ذائقها وهذه الآية تتضمن الوعد والوعيد للمصدق والمكذب بعد إخباره عن الباخلين القائلين (إن الله فقير ونحن أغنياء). وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وابن أبي إسحاق (ذائقة الموت) بالتنوين ونصب الموت. وقرأ الجمهور بالإضافة. قوله (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) أجر المؤمن: الثواب، وأجر الكافر: العقاب: أي أن توفية الأجور وتكميلها إنما تكون في ذلك اليوم، وما يقع من الأجور في الدنيا أو في البرزخ فإنما هو بعض الأجور والزحزحة: التنحية، والإبعاد: تكرير الزح وهو الجذب بعجلة، قاله في الكشاف وقد سبق الكلام عليه:
أي فمن بعد عن النار يومئذ ونحى فقد فاز: أي ظفر بما يريد ونجا مما يخاف، وهذا هو الفوز الحقيقي الذي لا فوز يقاربه، فإن كل فوز وإن كان بجميع المطالب دون الجنة ليس بشئ بالنسبة إليها اللهم لا فوز إلا فوز الآخرة، ولا عيش إلا عيشها، ولا نعيم إلا نعيمها، فاغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا وارض عنا رضا لا سخط بعده، واجمع لنا بين الرضا منك علينا والجنة. والمتاع: ما يتمتع به الإنسان وينتفع به ثم يزول ولا يبقى كذا قال أكثر المفسرين الغرور: الشيطان يغر الناس بالأماني الباطلة والمواعيد الكاذبة، شبه سبحانه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على من يريده، وله ظاهر محبوب وباطن مكروه. قوله (لتبلون في أموالكم وأنفسكم) هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته تسلية لهم عما سيلقونه من الكفرة والفسقة ليوطنوا أنفسهم على الثبات والصبر على المكاره والابتلاء الامتحان والاختبار، والمعنى: لتمتحنن حديث ولتختبرن في أموالكم بالمصائب، والانفاقات الواجبة وسائر التكاليف الشرعية المتعلقة بالأموال. والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض، وفقد الأحباب والقتل في سبيل الله. وهذه الجملة جواب قسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) وهم اليهود والنصارى (ومن الذين أشركوا) وهم سائر الطوائف الكفرية من غير أهل الكتاب (أذى كثيرا) من الطعن في دينكم وأعراضكم، والإشارة بقوله (فإن ذلك) إلى الصبر والتقوى المدلول عليهما بالفعلين. وعزم الأمور:
معزوماتها، أي مما يجب عليكم أن تعزموا عليه لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها، يقال عزم الأمر: أي شده وأصلحه. قوله (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) هذه الآية توبيخ لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، أو اليهود فقط على الخلاف في ذلك - والظاهر أن المراد بأهل الكتاب كل من آتاه الله علم شئ من الكتاب: أي كتاب كان كما يفيده التعريف الجنسي في الكتاب. قال الحسن وقتادة: إن الآية عامة لكل عالم، وكذا قال محمد بن كعب، ويدل على ذلك قول أبي هريرة: لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثكم بشئ، ثم تلا هذه الآية، والضمير في قوله (لتبيننه) راجع إلى الكتاب، وقيل راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم يتقدم له ذكر، لأن الله أخذ على اليهود والنصارى أن يبينوا نبوته للناس ولا يكتموها (فنبذوه وراء ظهورهم). وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وأهل المدينة " ليبيننه " بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية. وقرأ ابن عباس (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبيننه) ويشكل على هذه القراءة قوله (فنبذوه) فلا بد من أن يكون فاعله الناس. وفي قراءة ابن مسعود " لتبينونه " والنبذ: الطرح وقد تقدم في البقرة. وقوله (وراء ظهورهم) مبالغة في النبذ والطرح، وقد تقدم أيضا معنى قوله (واشتروا به ثمنا قليلا) والضمير عائد إلى الكتاب