وقال أيضا: قال علماؤنا: وأما ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين. فمن ذلك أن علي بن أبي طالب ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك، تصف جابرا بالعلم وأنت أنت؟ فقال: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد). وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله. وقال الحسن: والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن نزلت وما يعني بها. وقال الشعبي:
رحل مسروق في تفسير آية إلى البصرة، فقيل له إن الذي يفسرها رحل إلى الشام، فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها. وقال عكرمة في قوله عز وجل (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته. قال ابن عبد البر: هو ضميرة بن حبيب. وقال ابن عباس: مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يمنعني إلا مهابته، فسألته فقال: هي حفصة وعائشة. وقال إياس بن معاوية: مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من عند مليكهم ليلا وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة ولا يدرون ما في الكتاب. ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرأوا ما في الكتاب. وذكر ابن أبي الحواري أن فضيل بن عياض قال لقوم قصدوه ليأخذوا عنه العلم: لو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون، فقالوا: قد تعلمنا القرآن، فقال: إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم، فقالوا: كيف يا أبا علي؟ قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه ومتشابهه وناسخه من منسوخه فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة. وللسلف رحمهم الله من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر.
سورة الفاتحة معنى الفاتحة في الأصل أول ما من شأنه أن يفتتح به، ثم أطلقت على أول كل شئ كالكلام، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية، فسميت هذه السورة " فاتحة الكتاب " لكونه افتتح بها، إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف، وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز، وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت هذه السورة الشريفة بهذا الاسم في أيام النبوة. قيل هي مكية، وقيل مدنية.
وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول، والثعلبي في تفسيره عن علي رضي الله عنه قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة، والثعلبي والواحدي من حديث عمرو بن شرحبيل " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما شكا إلى خديجة ما يجده عند أوائل الوحي، فذهبت به إلى ورقة فأخبره فقال له: إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض، فقال: لا تفعل، إذا أتاك فأثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبر، فلما خلا ناداه يا محمد قل: بسم الله الرحمن الرحيم، حتى بلغ ولا الضالين " الحديث. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال: لما أسلمت فتيان بني سلمة وأسلم ولد عمرو بن الجموح قالت امرأة عمرو له: هل لك أن تسمع من أبيك ما روى عنه؟ فسأله فقرأ عليه: الحمد لله رب العالمين، وكان ذلك قبل الهجرة. وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال: فاتحة الكتاب نزلت بمكة. فهذا جملة ما استدل به من قال إنها نزلت بمكة.
واستدل من قال إنها نزلت بالمدينة بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو سعيد بن الأعرابي في معجمه،