ولا يعارضه قوله تعالى - اقرأ باسم ربك الذي خلق - لأن ذلك المقام مقام القراءة، فكان الأمر بها أهم، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسما أو فعلا فلا يتعلق بذلك كثير فائدة. والباء للاستعانة أو للمصاحبة، ورجح الثاني الزمخشري. واسم أصله سمو حذفت لامه، ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوله الهمزة إذا نطقوا به لئلا يقع الابتداء بالساكن، وهو اللفظ الدال على المسمى، ومن زعم أن الاسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة وسيبويه والباقلاني وابن فورك، وحكاه الرازي عن الحشوية والكرامية والأشعرية فقد غلط غلطا بينا، وجاء بما لا يعقل، مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب، بل العلم الضروري حاصل بأن الاسم الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله، والبحث مبسوط في علم الكلام. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " وقال الله عز وجل - ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها - وقال تعالى - قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى -. والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره، وأصله إله حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف فلزمت. وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق كالنجم والصعق، فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة، وبعده من الأعلام المختصة. والرحمن الرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة على طريقة المبالغة. ورحمن أشد مبالغة من رحيم. وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا، ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا. وقد تقرر أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقال ابن الأنباري والزجاج: إن الرحمن عبراني والرحيم عربي وخالفهما غيرهما. والرحمن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عز وجل. وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة. فقال في الكشاف: إنه باب من تعنتهم في كفرهم، قال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين، قال الله تعالى - وكان بالمؤمنين رحيما - وقد ورد في فضلها أحاديث. منها ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس قال: استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن. بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرج نحوه أبو عبيد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضا. وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " كان جبريل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقى علي بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم في المستدرك، وصححه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس " أن عثمان بن عفان سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال: هو اسم من أسماء الله، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب ". وأخرج ابن جرير وابن عدي في الكامل وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في تاريخ دمشق، والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب لتعلمه، فقال له المعلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له عيسى: وما بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال المعلم: لا أدري، فقال له عيسى: الباء بهاء الله، والسين سناه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة " وفي إسناده إسماعيل بن يحيى وهو كذاب، وقد أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات. وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر قال: لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الريح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء. وحلف الله بعزته وجلاله أن لا تسمى على شئ إلا بارك فيه. وأخرج