لا يؤمنون إلا قليلا، والفاء في قوله (فلا يؤمنون) مقحمة. قوله (وكفرهم بآيات الله) معطوف على ما قبله، وكذا قوله (وقتلهم)، والمراد بآيات الله كتبهم التي حرفوها، والمراد بالأنبياء الذين قتلوهم يحيى وزكرياء.
وغلف جمع أغلف وهو المغطى بالغلاف: أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول: وقيل إن غلف جمع غلاف، والمعنى: أن قلوبهم أوعية للعلم فلا حاجة لهم إلى علم غير ما قد حوته قلوبهم وهو كقولهم - قلوبنا في أكنة - وغرضهم بهذا رد حجة الرسل. قوله (بل طبع الله عليها بكفرهم) هذه الجملة اعتراضية: أي ليس عدم قبولهم للحق بسبب كونها غلفا بحسب مقصدهم الذي يريدونه، بل بحسب الطبع من الله عليها. والطبع: الختم، وقد تقدم إيضاح معناه في البقرة، وقوله (فلا يؤمنون إلا قليلا) أي هي مطبوع عليها من الله بسبب كفرهم فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا، أو إلا قليلا منهم كعبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم، وقوله (بكفرهم) معطوف على قولهم وإعادة الجار لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا التكرير لإفادة أنهم كفروا كفرا بعد كفر، وقيل إن المراد بهذا الكفر كفرهم بالمسيح، فحذف لدلالة ما بعده عليه. قوله (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) هو رميها بيوسف النجار، وكان من الصالحين. والبهتان: الكذب المفرط الذي يتعجب منه. قوله (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) معطوف على ما قبله، وهو من جملة جناياتهم وذنوبهم لأنهم كذبوا بأنهم قتلوه وافتخروا بقتله وذكروه بالرسالة استهزاء، لأنهم ينكرونها ولا يعترفون بأنه نبي، وما ادعوه من أنهم قتلوه قد اشتمل على بيان صفته وإيضاح حقيقته الإنجيل، وما فيه هو من تحريف النصارى: أبعدهم الله، فقد كذبوا وصدق الله القائل في كتابه العزيز قتلوه (وما قتلوه وما صلبوه) والجملة حالية: أي قالوا ذلك والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه (ولكن شبه لهم) أي ألقى شبهه على غيره، وقيل لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذين قتلوه وهم شاكون فيه (وإن الذين اختلفوا فيه) أي في شأن عيسى، فقال بعضهم قتلناه، وقال من عاين رفعه إلى السماء ما قتلناه، وقيل إن الاختلاف بينهم، هو أن النسطورية من النصارى قالوا: صلب عيسى من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته، وقالت الملكانية: وقع القتل والصلب على المسيح بكماله ناسوته ولاهوته، ولهم من جنس هذا الاختلاف كلام طويل لا أصل له، ولهذا قال الله (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه) أي في ترد لا يخرج إلى حيز الصحة، ولا إلى حيز البطلان في اعتقادهم، بل هم مترددون مرتابون في شكهم يعمهون، وفي جهلهم يتحيرون، و (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) من زائدة لتوكيد نفي العلم، والاستثناء منقطع: أي لكنهم يتبعون الظن، وقيل هو بدل بما قبله. والأول أولى. لا يقال إن اتباع الظن ينافي الشك الذي أخبر الله عنهم بأنهم فيه، لأن المراد هنا بالشك التردد كما قدمنا، والظن نوع منه، وليس المراد به هنا ترجح أحد الجانبين. قوله (وما قتلوه يقينا) أي قتلا يقينا على أنه صفة مصدر محذوف، أو متيقنين على أنه حال، وهذا على أن الضمير في قتلوه لعيسى، وقيل إنه يعود إلى الظن، والمعنى: ما قتلوا ظنهم يقينا كقولك قتلته علما إذا علمته علما تاما. قال أبو عبيدة: ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط، وقيل المعنى: وما قتلوا الذي شبه لهم، وقيل المعنى: بل رفعه الله إليه يقينا، وهو خطأ، لأنه لا يعمل ما بعد بل فيما قبلها. وأجاز ابن الأنباري نصب يقينا بفعل مضمر هو جواب قسم، ويكون (بل رفعه الله إليه) كلاما مستأنفا ولا وجه لهذه الأقوال، والضمائر قبل قتلوه وبعده لعيسى، وذكر اليقين هنا لقصد التهكم بهم لإشعاره بعلمهم في الجملة. قوله (بل رفعه الله إليه) رد عليهم وإثبات لما هو الصحيح، وقد تقدم ذكر رفعه عليه السلام في آل عمران. قوله (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) المراد بأهل الكتاب: اليهود والنصارى، والمعنى: وما من أهل الكتاب أحد إلا والله