العليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله (إن كنتم صادقين) أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء (وأعلم ما تبدون) قال: قولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها - وما كنتم تكتمون) يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال (ما تبدون) ما تظهرون (وما كنتم تكتمون) يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية.
(إذ) متعلق بمحذوف تقديره: واذكر إذ قلنا. وقال أبو عبيدة: إذ زائدة وهو ضعيف. وقد تقدم الكلام في الملائكة وآدم. السجود معناه في كلام العرب: التذلل والخضوع. وغايته وضع الوجه على الأرض.
قال ابن فارس: سجد إذا تطامن، وكل ما سجد فقد ذل، والإسجاد: إدامة النظر. وقال أبو عمر: وسجد إذا طأطأ رأسه، وفي هذه الآية فضيلة لآدم عليه السلام عظيمة حيث أسجد الله له ملائكته. وقيل: إن السجود كان لله ولم يكن لآدم، وإنما كانوا مستقبلين له عند السجود، ولا ملجئ لهذا فإن السجود للبشر قد يكون جائزا في بعض الشرائع بحسب ما تقتضيه المصالح. وقد دلت هذه الآية على أن السجود لآدم وكذلك الآية الأخرى أعني قوله - فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين - وقال تعالى - ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا - فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون كذلك في سائر الشرائع. ومعنى السجود هنا: هو وضع الجبهة على الأرض، وإليه ذهب الجمهور. وقال قوم: هو مجرد التذلل والانقياد. وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الأسماء أم بعده؟ وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره. وظاهر السياق أنه وقع التعليم وتعقبه الأمر بالسجود وتعقبه إسكانه الجنة ثم إخراجه منها وإسكانه الأرض وقوله (إلا إبليس) استثناء متصل لأنه كان من الملائكة على ما قاله الجمهور. وقال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين (كان من الجن) الذين كانوا في الأرض. فيكون الاستثناء على هذا منقطعا. واستدلوا على هذا بقوله تعالى - لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون - وبقوله تعالى - إلا إبليس كان من الجن - والجن غير الملائكة، وأجاب الأولون بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس عن جملة الملائكة، لما سبق في علم الله من شقائه عدلا منه - لا يسئل عما يفعل - وليس في خلقه من نار ولا تركيب الشهوة فيه حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملائكة وأيضا على تسليم ذلك لا يمتنع أن يكون الاستثناء متصلا تغليبا للملائكة الذين هم ألوف مؤلفة على إبليس الذي هو فرد واحد بين أظهرهم. ومعنى (أبى) امتنع من فعل ما أمر به. والاستكبار: الاستعظام للنفس، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم " أن الكبر بطر الحق وغمط الناس " وفي رواية " غمص " بالصاد المهملة (وكان من الكافرين) أي من جنسهم. قيل إن " كان " هنا بمعنى صار. وقال ابن فورك: إنه خطأ ترده الأصول.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت السجدة لآدم والطاعة لله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: سجدوا كرامة من الله أكرم بها آدم. وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم المزني قال: إن الله جعل آدم كالكعبة وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس قال: كان إبليس اسمه عزازيل، وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة، ثم أبلس بعد. وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال إنما سمي إبليس لأن الله أبلسه من الخير كله: أي آيسه منه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن الأنباري عنه