جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال (اشتروا الضلالة بالهدى) أي الكفر بالإيمان. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال:
آمنوا ثم كفروا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: استحبوا الضلالة على الهدى، قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.
(مثلهم) مرتفع بالابتداء، وخبره إما الكاف في قوله (كمثل) لأنها اسم: أي مثل مثل كما في قول الأعشي:
أتنتهون ولن تنهي ذوي شطط * كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل وقول امرئ القيس:
ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا * تصوب فيه العين طورا وترتقى أراد مثل الطعن وبمثل ابن الماء، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا: أي مثلهم مستنير كمثل، فالكاف على هذا حرف. والمثل: الشبه، والمثلان: المتشابهان (والذي) موضوع موضع الذين: أي كمثل الذين استوقدوا، وذلك موجود في كلام العرب كقول الشاعر:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد ومنه وخضتم كالذي خاضوا - ومنه - والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المنقون -. ووقود النار:
سطوعها وارتفاع لهيبها، (واستوقد) بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب، فالسين والتاء زائدتان، قاله الأخفش. ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا * فلم يستجبه عند ذاك مجيب أي يجبه. والإضاءة فرط الإنارة، وفعلها يكون لازما ومتعديا. و (ما حوله) قيل ما زائدة، وقيل هي موصولة في محل نصب على أنها مفعول أضات وحوله منصوب على الظرفية، و (ذهب) من الذهاب، وهو زوال الشئ. و (تركهم) أي أبقاهم (في ظلمات) جمع ظلمة. وقرأ الأعمش بإسكان اللام على الأصل. وقرأ أشهب العقيلي بفتح اللام. وهي عدم النور. و (صم) وما بعده خبر مبتدأ محذوف: أي هم. وقرأ ابن مسعود صما بكما عميا بالنصب على الذم، ويجوز أن ينتصب بقوله تركهم. والصمم: الانسداد، يقال قناة صماء: إذا لم تكن مجوفة، وصممت القارورة: إذا سددتها، وفلان أصم: إذا انسدت خروق مسامعه، والأبكم: الذي لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم فهو الأخرس. وقيل الأخرس والأبكم واحد. والعمى: ذهاب البصر. والمراد بقوله (فهم لا يرجعون) أي إلى الحق، وجواب لما في قوله فلما أضاءت، قيل هو (ذهب الله بنورهم) وقيل محذوف تقديره: طفئت فبقوا حائرين. وعلى الثاني فيكون قوله (ذهب الله بنورهم) كلاما مستأنفا أو بدلا من المقدر.
ضرب الله هذا المثل للمنافقين لبيان أن ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام