لغناه ولا يرحمون مسكينا لمسكنته، وفي قوله (فلا تتبعوا الهوى) فتذروا الحق فتجوروا (وإن تلووا) يعني بألسنتكم بالشهادة (أو تعرضوا) عنها. وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عنه في معنى الآية قال: الرجلان يجلسان عند القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر، وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة كانت البقرة أول سورة نزلت ثم أردفها سورة النساء، قال: فكان الرجل تكون عنده الشهادة قبل ابن عمه أو ذوي رحمه فيلوي بها لسانه أو يكتمها مما يرى من عسرته حتى يوسر فيقضي حين يوسر، فنزلت (كونوا قوامين بالقسط) الآية. وأخرج ابن جرير عنه أيضا (وإن تلووا أو تعرضوا) يقول: تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة فلا تقيم الشهادة على وجهها.
والإعراض: الترك. وأخرج الثعلبي عن ابن عباس " أن عبد الله بن سلام وأسدا وأسيدا ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلاما ابن أخت عبد الله بن سلام وسلمة ابن أخيه ويامين بن يامين أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله، فقالوا:
لا نفعل، فنزلت (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله) الآية ". وينبغي النظر في صحة هذا، فالثعلبي رحمه الله ليس من رجال الرواية ولا يفرق بين الصحيح والموضوع. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في هذه الآية قال: يعني بذلك أهل الكتاب، كان الله قد أخذ ميثاقهم في التوراة والإنجيل، وأقروا على أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما بعث الله رسوله دعاهم إلى أن يؤمنوا بمحمد والقرآن وذكرهم الذي أخذ عليهم من الميثاق، فمنهم من صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتبعه، ومنهم من كفر.
أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت ثم كفرت ثم ازدادت كفرا بعد ذلك كله أنه لم يكن الله سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم ولا ليهديهم سبيلا يتوصلون به إلى الحق ويسلكونه إلى الخير لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله ويؤمنوا إيمانا صحيحا فإن هذا الاضطراب منهم تارة يدعون أنهم مؤمنون وتارة يمرقون من الإيمان