قوله (إن الله لا يغفر أن يشرك به) قد تقدم تفسير هذه الآية وتكريرها بلفظها للتأكيد، وقيل كررت هنا لأجل قصة بني أبيرق، وقيل إنها نزلت هنا لسبب غير قصة بني أبيرق. وهو ما رواه الثعلبي والقرطبي في تفسيرهما على الضحاك: أن شيخا من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا إلا أني لم أشرك بالله شيئا مذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له، وإني لنادم وتائب ومستغفر فما حالي عند الله؟ فأنزل الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به) الآية (ومن يشرك بالله فقد ضل) عن الحق (ضلالا بعيدا) لأن الشرك أعظم أنواع الضلال وأبعدها من الصواب (إن يدعون من دونه إلا إناثا) أي ما يدعون من دون الله إلا أصناما لها أسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة، وقيل المراد بالإناث الموات التي لا روح لها كالخشبة والحجر، وقيل المراد بالإناث الملائكة لقولهم الملائكة بنات الله. وقرئ " وثنا " بضم الواو والثاء جمع وثن، روى هذه القراءة ابن الأنباري عن عائشة. وقرأ ابن عباس " إلا أثنا " جمع وثن أيضا، وأصله وثن فأبدلت الواو همزة، وقرأ الحسن إلا أنثا بضم الهمزة والنون بعدها مثلثة، جمع أنيث كغدير وغدر. وحكى الطبري أنه جمع إناث كثمار وثمر. وحكى هذه القراءة أبو عمرو الداني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وقرأ بها ابن عباس والحسن وأبو حيوة. وعلى جميع هذه القراءات فهذا الكلام خارج مخرج التوبيخ للمشركين والإزراء عليهم والتضعيف لعقولهم، لكونهم عبدوا من دون الله نوعا ضعيفا (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي وما يدعون من دون الله إلا شيطانا مريدا وهو إبليس لعنه الله، لأنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد عبدوه. وقد تقدم اشتقاق لفظ الشيطان. والمريد: المتمرد العاتي، من مرد: إذا عتا. قال الأزهري: المريد الخارج عن الطاعة. وقد مرد الرجل مرودا: إذا عتا وخرج عن الطاعة، فهو مارد ومريد ومتمرد. وقال ابن عرفة: هو الذي ظهر شره، يقال شجرة مرداء: إذا تساقط ورقها وظهرت عيدانها، ومنه قيل للرجل أمرد: أي ظاهر مكان الشعر من عارضيه. قوله (لعنه الله) أصل اللعن الطرد والإبعاد. وقد تقدم وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط. قوله (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) معطوف على قوله (لعنه الله)
(٥١٦)