الهدى والفلاح مستقل بتميزهم به عن غيرهم، بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزا على حياله. وفائدة ضمير الفصل الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره. وقد روى السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة أن الذين يؤمنون بالغيب: هم المؤمنون من العرب، الذين يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أنزل إلى من قبله: هم، والمؤمنون من أهل الكتاب ثم جمع الفريقين فقال (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) وقد قدمنا الإشارة إلى هذا وإلى ما هو أرجح منه كما هو منقول عن مجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة. وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عبد الله ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " قيل ذلك يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس أو كما قال: فقال ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) إلى قوله (المفلحون) هؤلاء أهل الجنة، قالوا: إنا نرجو أن نكون هؤلاء، ثم قال (إن الذين كفروا سواء عليهم) إلى قوله (عظيم) هؤلاء أهل النار، قالوا: ألسنا هم يا رسول الله؟ قال: أجل " وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث. منها ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع فقال وما وجعه؟ قال: به لمم، قال: فائتني به فوضعه بين يديه فعوذه النبي بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة، وهاتين الآيتين - وإلهكم إله واحد - وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران - شهد الله أنه لا إله إلا هو -، وآية من الأعراف - إن ربكم الله -، وآخر سورة المؤمنين - فتعالى الله الملك الحق - وآية من سورة الجن - وأنه تعالى جد ربنا -، وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وقل هو الله أحد والمعوذتين، فقام الرجل كأنه لم يشتك قط ". وأخرج نحوه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمن بن أبي يعلى عن رجل عن أبي مثله.. وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال: من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شئ يكرهه في أهله ولا ماله، ولا تقرأ على مجنون إلا أفاق.
وأخرج الدارمي وابن المنذر والطبراني عنه قال: " من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح: أربع من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث خواتمها أولها - لله ما في السماوات ". وأخرج سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي عن المغيرة بن سبيع، وكان من أصحاب عبد الله بن مسعود بنحوه. وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة " وقد ورد في ذلك غير هذا.
ذكر سبحانه فريق الشر بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعا لهذا الكلام عن الكلام الأول، معنونا له بما يفيد أن شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم، وأنه لا يترتب عليهم ما هو المطلوب منهم من الإيمان، وأن وجود ذلك كعدمه. و " سواء " اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر، والهمزة وأم مجردتان لمعنى