ويحرمون حرامه، فيكون من تلاه يتلوه إذا اتبعه، ومنه قوله تعالى - والقمر إذا تلاها - أي اتبعها كذا قيل، ويحتمل أن يكون من التلاوة: أي يقرءونه حق قراءته لا يحرفونه ولا يبدلونه. وقوله (الذين آتيناهم الكتاب) مبتدأ وخبره (يتلونه) أو الخبر قوله (أولئك) مع ما بعده.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ليت شعري ما فعل أبواي " فنزل (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) فما ذكرهما حتى توفاه الله. قال السيوطي: هذا مرسل ضعيف الإسناد. ثم رواه من طريق ابن جرير عن داود بن أبي عاصم مرفوعا وقال: هو معضل الإسناد ضعيف لا تقوم به ولا بالذي قبله حجة. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال (الجحيم) ما عظم من النار. وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال: إن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينهم. فأنزل الله (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) الآية.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله (الذين آتيناهم الكتاب) قال: هم اليهود والنصارى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله (يتلونه حق تلاوته) قال: يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه. وأخرجوا عنه أيضا قال: يتبعونه حق اتباعه، ثم قرءوا - والقمر إذا تلاها - يقول اتبعها. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال في قوله (يتلونه حق تلاوته) إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار. وأخرج الخطيب في كتاب الرواة بسند فيه مجاهيل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (يتلونه حق تلاوته) قال: يتبعونه حق اتباعه، وكذا قال القرطبي في تفسيره أن في إسناده مجاهيل، قال: لكن معناه صحيح. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طرق عن ابن مسعود في تفسيره هذه الآية مثل ما سبق عن ابن عباس في قوله (يحلون حلاله) إلى آخره. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: يتكلمون به كما أنزل ولا يكتمونه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في هذه الآية قال: هم أصحاب محمد، ثم حكى نحو ذلك عن عمر بن الخطاب. وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن في قوله (يتلو حق تلاوته) قال: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه.
قوله (يا بني إسرائيل - إلى قوله - ولا هم ينصرون) قد سبق مثل هذا في صدر السورة، وتقدم تفسيره، ووجه التكرار الحث على اتباع الرسول النبي الأمي، ذكر معناه ابن كثير في تفسيره. وقال البقاعي في تفسيره: إنه لما طال المدى في استقصاء تذكيرهم بالنعم ثم في بيان عوارهم وهتك أستارهم، وختم ذلك بالترهيب لتضييع