تلقيا الله، فإن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال: بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف، فهما يعذبان إلى يوم القيامة. وقد رويت هذه القصة عن ابن عمر بألفاظ، وفي بعضها أنه يروي ذلك ابن عمر عن كعب الأحبار، كما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب، فقيل لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل ما يأتون، فاختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت، فقال لهما: إني أرسل إلى بني آدم رسلا فليس بيني وبينكم رسول، انزلا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر، قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استعملا جميع ما نهيا عنه. قال ابن كثير: وهذا أصح، يعني من الإسنادين اللذين ذكرهما قبله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال: إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة، والعجم أناهيد، وذكر نحو الرواية السابقة عن ابن عمر عند الحاكم. قال ابن كثير: وهذا الإسناد رجاله ثقات وهو غريب جدا. وقد أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كانت الزهرة امرأة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه: أن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت، فهي هذه الكوكبة الحمراء، يعني الزهرة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه فذكر قصة طويلة، وفيها التصريح بأن الملكين شربا الخمر وزنيا بالمرأة وقتلاها. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس هذه القصة وقالا: إنها أنزلت إليهما الزهرة في صورة امرأة وأنهما وقعا في الخطيئة. وقد روى في هذا الباب قصص طويلة وروايات مختلفة استوفاها السيوطي في الدر المنثور، وذكر ابن كثير في تفسيره بعضها ثم قال: وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين. وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال انتهى. وقال القرطبي بعد سياق بعض ذلك: قلنا هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمرو غيره لا يصح منه شئ، فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه وسفراؤه إلى رسله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ثم ذكر ما معناه: أن العقل يجوز وقوع ذلك منهم، لكن وقوع هذا الجائز لا يدرى إلا بالسمع ولم يصح انتهى. وأقول هذا مجرد استبعاد. وقد ورد الكتاب العزيز في هذا الموضع بما تراه، ولا وجه لإخراجه عن ظاهره بهذه التكلفات، وما ذكره من أن الأصول تدفع ذلك، فعلى فرض وجود هذه الأصول فهي مخصصة بما وقع في هذه القصة ولا وجه لمنع التخصيص، وقد كان إبليس يملك المنزلة العظيمة وصار أشر البرية وأكفر العالمين. وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله (إنما نحن فتنة) قال: بلاء. وأخرج البزار بإسناد صحيح والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: " من أتى كاهنا أو ساحرا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". وأخرج البزار عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن عقد عقدة، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". وأخرج عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم