لما فرغ من ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، لأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكان ذلك كالكفر بجميع الرسل والكتب المنزلة، والكفر بذلك كفر بالله، وينبغي حمل قوله (إن الذين يكفرون بالله ورسله) على أنه استلزم ذلك كفرهم ببعض الكتب والرسل لا أنهم كفروا بالله ورسله جميعا، فإن أهل الكتاب لم يكفروا بالله ولا بجميع رسله، لكنهم لما كفروا بالبعض كان ذلك كفر بالله وبجميع الرسل. ومعنى (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) أنهم كفروا بالرسل بسبب كفرهم ببعضهم وآمنوا بالله، فكان ذلك تفريقا بين الله وبين رسله (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) هم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد، وكذلك النصارى آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا) أي يتخذوا بين الإيمان والكفر دينا متوسطا بينهما، فالإشارة بقوله (ذلك) إلى قوله نؤمن ونكفر (أولئك هم الكافرون) أي الكاملون في الكفر. وقوله (حقا) مصدر مؤكد لمضمون الجملة: أي حق ذلك حقا، أو هو صفه لمصدر الكافرين: أي كفرا حقا. قوله (ولم يفرقوا بين أحد منهم) بأن يقولوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ودخول بين على أحد لكونه عاما في المفرد مذكرا ومؤنثا ومثناهما وجمعهما. وقد تقدم تحقيقه، والإشارة بقوله (أولئك) إلى الذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية، قال (أولئك) أعداء الله اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة وموسى وكفروا بالإنجيل وعيسى، وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى وكفروا بالقرآن ومحمد، اتخذوا اليهودية والنصرانية وهما بدعتان ليستا من الله وتركوا الإسلام، وهو دين الله الذي بعث به رسله. وأخرج ابن جرير عن السدى وابن جريج نحوه.