بعد التخيير لهم من الله سبحانه لم يعاتبهم عليه، ولا حصل ما حصل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من الندم والحزن، ولا صوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى عمر رضي الله عنه، حيث أشار بقتل الأسرى وقال ما معناه: لو نزلت عقوبة لم ينج منها إلا عمر، والجميع في كتب الحديث والسير. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس (قلتم أنى هذا) ونحن مسلمون نقاتل غضبا لله وهؤلاء مشركون. فقال (قل هو من عند أنفسكم) عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال لا تتبعوهم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله (أو ادفعوا) قال: كثروا بأنفسكم وإن لم تقاتلوا. وأخرج أيضا عن الضحاك نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله (أو ادفعوا) قال: رابطوا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وعن ابن شهاب وغيره قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أحد في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة انخزل عنهم عبد الله بن أبي بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني، والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ههنا؟ فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام من بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضرهم عدوهم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولا نرى أن يكون قتال. وأخرجه ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم ابن عمر بن قتادة والحسين بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا فذكره، وزاد أنهم لما استعصوا عليه وأبو إلا الانصراف قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (لو نعلم قتالا لاتبعناكم) قال: لو نعلم أنا واجدون معكم مكان قتال لاتبعناكم.
لما بين الله سبحانه أن ما جرى على المؤمنين يوم أحد كان امتحانا ليتميز المؤمن من المنافق، والكاذب من الصادق، بين ههنا أن من لم ينهزم وقتل فله هذه الكرامة والنعمة، وأن مثل هذا مما يتنافس فيه المتنافسون، لا مما يخاف ويحذر كما قالوا من حكى الله عنهم (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) وقالوا (لو أطاعونا ما قتلوا) فهذه